فَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْبَاقِينَ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى هُنَا سَوَاءٌ وَأَنَّ مَنْ حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الْبُطُونِ أَوْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ شَارَكَ الْمَوْجُودِينَ لَكِنْ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَهُ مِثْلُ الذَّكَرِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُ مَا لِلذَّكَرِ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْجُودِ أَيْضًا أَوْ لَا وَهَذَا آخِرُ مَا كَتَبْتُهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ وَبَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا سِيَاقٌ آخَرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ السِّيَاقَ الْأَوَّلَ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ وَجَوَابِهَا بِقَوْلِهِ فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَاقِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي فِيهِ [مَنْ] أَيْضًا وَجَوَابُهَا بِقَوْلِهِ فَهُوَ نَصِيبُهُ إلَخْ فَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ الْمُقْتَضَى لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِقَوْلِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَقَعَ فِي جَوَابِ هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي وَجَوَابُ الْأَوَّلِ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهِ الِاسْتِوَاءُ بِشَيْءٍ فَعَمِلْنَا بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِمْ وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ كَوَقَفْت عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةِ كَعَلَى أَوْلَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ إلَّا إنْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَإِلَّا اخْتَصَّتْ بِالْأَخِيرَةِ لَا يُنَافِي مَا قَرَّرْتُهُ لِأَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَعَ فِي جَوَابِ شَرْطٍ غَيْرَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَوْضِعُهُ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ اتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِشَيْءٍ فَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْجُودِينَ غَيْرَهُ فَلَوْ حَدَثَ وَلَا مَوْجُودَ غَيْرَهُ تَسَاوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا قَيْدٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مُطْلَقًا الْأَقْرَبُ الثَّانِي.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَيْفَ يُمَثِّلُ الْأَصْحَابُ لِتَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ أَوْ تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِمْ: وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي مَعَ أَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٍ لَا جُمَلَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ مَثَّلَ الْإِمَامُ لِذَلِكَ فِي الْأُصُولِ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي دَارِي وَحَبَسْتُ عَلَى أَقَارِبِي ضَيْعَتِي وَتَصَدَّقْتُ عَلَى عُتَقَائِي بِبُسْتَانِي إلَخْ وَقَدْ اسْتَبْعَدَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَإِنْ قَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَامِلٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ الْعَاطِفِ لَا الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْخَمْسَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءِ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا اهـ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ مَا عَمِلَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَمَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُوَزَّعُ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَنَابَ إمَامُ الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَلْ يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّائِبَ لَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْجَامِكِيَّةِ ثُمَّ إنْ جَعَلَ لِلنَّائِبِ جُعْلًا اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الِاسْتِنَابَةِ جَازَتْ وَاسْتَحَقَّ النَّائِبُ الْمَشْرُوطُ لِلْإِمَامَةِ دُونَهُ وَلَيْسَ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلُهُ فِي هَذِهِ التَّوْلِيَةِ فَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَفِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْلُومَ