وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْزِلُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ الْإِذْنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقٌّ آخَرُ مُغَايِرٌ لِحَقِّ التَّنْزِيلِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ نَظَر لِأَنَّ التَّنْزِيلَ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ السُّكْنَى بِهَا اكْتِفَاءً بِشَرْطِهِ اهـ.
وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَآخِرًا قَوْلُ الْقَاضِي فِي نَحْوِ الرِّبَاطَاتِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُهَا مِنْ أَهْلِهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِذَا جَاءَ فَقِيرٌ آخَرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ عَنْهُ وَيَسْكُنُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَجْعَلَهَا مُتَسَاوِيَةً بَيْن الْفُقَرَاءِ أَوْ مَخَافَةَ أَنَّهُ إذَا طَالَ مُقَامُ وَاحِدٍ فِيهِ تَمَلَّكَهُ وَيَنْدَرِسُ الْوَقْفُ فَلَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَيُسْكِنَ فِيهِ آخَرُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لَك وَوَضَّحْته وَحَرَّرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) وَاقِفٌ صُورَةُ شَرْطِهِ أَنَّهُ أَوْقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادٍ وَإِنْ سَفَلُوا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ طَبَقَةً بَعْد طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ وَتَرَك وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَل مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ أَوْ مِنْ وَلَدِ الْبَطْنِ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخًا وَلَا أُخْتًا انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَمَ بِذَلِكَ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ انْتَهَى الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ إلَى وَلَدَيْنِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَهُمَا عَزِيزٌ وَعَلِيٌّ وَلَدَا شَرْعَانِ بْنِ أَحْمَدَ ثَمَّ تُوُفِّيَ عَلِيٌّ عَنْ وَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ وَبِنْتِهِ خُونْدَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَزِيزٌ عَنْ أَوْلَادِهِ شَرْعَانَ وَأَجْوَدَ وَمُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ وَشُمَيْسَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَرَجَعَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى أُخْتِهِ خُونْدَةَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ شُمَيْسَةُ عَنْ إخْوَتِهَا الْمَذْكُورِينَ وَهُمَا شَرْعَانُ وَأَجْوَدُ وَمُحَمَّدٌ وَفَاطِمَةُ ثَمَّ تَزَوَّجَ أَجْوَدُ ابْنَةَ عَمِّهِ خُونْدَةَ وَرُزِقَ مِنْهَا مِصْبَاحًا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ خُونْدَةُ عَنْ زَوْجِهَا أَجْوَدَ وَبِنْتِهَا مِصْبَاحَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ مِصْبَاحُ عَنْ وَالِدِهَا أَجْوَدَ وَعَنْ أُخْتٍ لَهَا مِنْ أَبِيهَا تُسَمَّى مُجِيبَةَ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ مُجِيبَةُ مَا كَانَ لِأُخْتِهَا مِصْبَاحَ أَوْ يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ لِوَالِدِهَا أَجْوَدَ وَلِطَبَقَتِهِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِاسْتِحْقَاقِ مُجِيبَةَ وَرُزِقَ وَالِدُهَا أَجْوَدُ أَوْلَادًا أُخَرُ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ مُجِيبَةَ شَيْئًا أَوْ تَكُونُ قَدْ اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا عِنْد مَوْتِ أُخْتِهَا مِصْبَاحَ قَبْلَ وُجُودِ الْإِخْوَة الْمَذْكُورِينَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَبَيِّنُوا وَأَوْضِحُوا مَا أُشْكِلَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ وَالْمُشَارَكَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ هَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ نَظَرًا لِقَصْدِ الْوَاقِفِ لَا يَحْرِمُ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى مَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَالْحَقِيقَةُ لَا تَنْصَرِفُ عَنْ مَدْلُولِهَا بِمُجَرَّدِ غَرَضٍ لَمْ يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ اضْطِرَابٌ طَوِيلٌ بَيْن أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي كِتَابِي سَوَابِغُ الْمَدَدِ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت بَعْد ذَلِكَ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَهْدَهُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي فَتَاوِيهِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَئِمَّةٍ كَالْبَغَوِيِّ وَالتَّاجِ وَالْفَزَارِيِّ وَالْكَمَالِ سَلَّارٍ شَيْخِ النَّوَوِيِّ وَرَدَّ أَعْنِي شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ قَبْلُ مِنْ خِلَافِهِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ وَجَمَاعَةٌ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ لَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي فِيهِ وَمِمَّنْ جَرَى عَلَى الْأَوَّلِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَعَلَيْهِ فَحِصَّةُ عَلِيٍّ وَهِيَ النِّصْفُ لِوَلَدَيْهِ أَبِي الْقَاسِمِ وخُونْدَةَ أَثْلَاثًا وَحِصَّةُ عَزِيزٍ وَهِيَ النِّصْفُ لِأَوْلَادِهِ أَثْمَانًا وَحِصَّةُ أَبِي الْقَاسِم وَهِيَ ثُلُثَا النِّصْفِ لِأُخْتِهِ خُونْدَةَ لِأَنَّهَا حِين مَوْتِهِ مِنْ