وَلَا صَرْفه إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَوْجَهُ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبَّلَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا ذَكَرْته مِنْ حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَوْقُوفِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى أَهْلِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ عَنْهُ وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إعَارَتُهُ بَلْ وَلَا لِكُلِّهِمْ وَمَا حُكِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِمَّا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَلَا تَأْتِي الْمُشَاهَرَةُ وَنَحْوُهَا هُنَا وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً وَلَمْ يُخَالِف شَرْطَ الْوَاقِفِ وَلَا غَرَضَهُ وَمَتَى صَحَّتْ إجَارَتُهُ لَهُ لَزِمَهُ صَرْفُ الْأُجْرَةِ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ رِبَاطٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعْلَمُ هَلْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَاظِرِ الرِّبَاطِ أَوْ لَا أَوْ جَعَلَ لِمَنْ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَالنَّظَرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّاظِرِ الْعَامِّ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَخْذَ الْكِتَابِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ الْآتِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ لِلْوَاقِفِ اُتُّبِعَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْضًا وَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ وَلَا شَرْطٌ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ حِلُّ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْقُوفِ سَوَاءٌ الْكِتَابُ وَغَيْرُهُ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ سَوَاءٌ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْحِلِّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ النَّاظِرُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّاظِرِ تَقْدِيمُ الْأَحَقِّ عِنْد تَزَاحُمِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِسَبْقٍ أَوْ أَحْوَجِيَّةٍ أَوْ عُمُومِ انْتِفَاعٍ أَوْ عَدَمِ خَوْفٍ مِنْ بَقَاءِ الْوَقْفِ تَحْت يَدِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيه النَّظَرُ السَّدِيدُ فَإِذَا ازْدَحَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ مَثَلًا تَعَيَّنَ عَلَى النَّاظِرِ إيثَارُ أَحَقَّهُمْ بِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ وُصُولِ مَزِيدِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ تَوَقُّفِ حَلِّ الِانْتِفَاعِ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ.
قَوْلُ الرَّوْضَةِ مَنْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إزْعَاجُهُ سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ إذَا نَزَلَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِ النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي تَجُوزُ السُّكْنَى أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْكُنَ أَحَدٌ إلًّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فَمَنْ سَكَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ اهـ. قَالَ الْإِمَامُ التَّقِيُّ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلَا بِعَدَمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِط حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافَى ذَلِكَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ بَعْد مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ.
وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَحَقِّيَّةَ السَّابِقِ إلَى الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ وَالرَّبْطِ أَيْ لِلسُّكْنَى بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَاظِرٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ أَمْكَنَ لِلْعُرْفِ وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَدْرَسَةِ مُدَرِّسٌ دُون مَا إذَا فُقِدَ اهـ. قُلْت لَا يُنَافِيه بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَقِّيَّةُ السَّابِقِ فَكَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحَقِّيَّةِ وَهِيَ عِنْد التَّنَازُعِ إنَّمَا يُرْجَعُ فِيهَا لِنَظَرِ النَّاظِرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُجِزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَبِفَرْضِ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ إذْنَهُ شَرْطٌ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَكُونُ كَلَامُهُ ضَعِيفًا لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتِمَادُ السُّبْكِيّ هَذَا دُون كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ يَجُوز لِلْفَقِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْزِلِ سُكْنَى الْمَدْرَسَةِ إذَا أَسْكَنَهُ النَّاظِرُ اهـ. قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِجَوَازِ السُّبْكِيّ اسْتِمْرَارهَا كَمَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ