كَذَلِكَ نَعَمْ رَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ وَقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَصِحّ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ مَسْطَبَةً مَرْدُودٌ إذْ الْمَسْجِدُ هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَا الْأَرْضُ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ مَسْجِدًا كَعَكْسِهِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَيْضًا مُصَرِّحَةٌ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ دُون الْأَرْضِ مَسْجِدًا فَالْمُصَلِّي فِي هَوَائِهِ كَأَنَّهُ مُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ سَقَّفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ صَحَّ عَلَى سَقْفِهِ الِاعْتِكَافُ وَأُعْطِيَ سَقْفُهُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْقَمُولِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ نَحْو مَا قَدَّمْته فَقَالَ يَصِحّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُونَ السُّفْلِ مَسْجِدًا وَعَكْسُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ مَسْجِدٍ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلسُّكْنَى وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهَا وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُبْنَى الْعَرْصَةُ بِالْآجُرِّ وَالنُّورَةِ فَيَصِيرُ مَسْجِدًا إذَا وَقَفَهُ قِيَاسًا عَلَى وَقْفِ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ اهـ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ صَارَ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ آلَاتِهِ بَعْد اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعهَا وَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكه إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَنَى بَعْضَهُ لَمْ يُجْبَر عَلَى إتْمَامه وَلَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا اهـ.

قَالَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ آلَاتُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَقَبْضُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ تَقْدِيرًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّسْبِيلِ وَمَا يَحْيَى بِقَصْدِ تَسْبِيلِهِ مَقْبَرَةً قُلْته تَخْرِيجًا اهـ. فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ حُكِمَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ مَسْجِدٌ مَعَ بَحْثِهِ أَنَّ الْبَانِي لَا يَمْلِك الْأَرْضَ تَقْدِيرًا وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا مَوَاتًا لِيَزِيدَ بِذَلِكَ اتِّضَاحُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ مَسْجِدًا دُون الْأَرْضِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخَصُّصُهُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَعُفَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ دُون الْبِنَاءِ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ السَّابِق أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا رَدٌّ بِمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ بَعْدَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمَّرَ مَسْجِدًا خَرَابًا وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عِمَارَتُهُ لَهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كُتُبَهُ هَلْ يَدْخُلُ مُصْحَفُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ مَنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيْتَ الشَّعْرِ يُسَمَّى بَيْتًا لُغَةً وَهُوَ وَاضِحٌ وَشَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80] فَكَذَلِكَ نَقُولُ الْمُصْحَفُ يُسَمَّى كِتَابًا شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ كِتَابًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ عُرْفًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقْد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ بِاصْطِلَاحٍ.

وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ الْعَامُّ قُدِّمَتْ اللُّغَةُ ثُمَّ قَالَ مَتَى كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَتَى عَمَّتْ اللُّغَةُ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ وَقَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ أَيْ فِي الْأَيْمَانِ وَنَحْوهَا فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّمُوا الْعُرْفَ عَلَى اللُّغَةِ فِيمَا يُشْبِه مَسْأَلَتنَا فَقَالُوا لَوْ قَالَ زَوْجَتِي طَالِق لَمْ تَطْلُقْ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَإِنْ اقْتَضَى وَضْعُ اللُّغَةِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ لَمْ يَدْخُل مَنْ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَف وَلَا يَحْفَظُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قُلْت يُجَابُ عَنْ الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ دُخُول الزَّائِد عَلَى الْوَاحِدَة فِيهِمَا خِلَافُ الْمَقْصُودِ بِحَسَبِ الظَّاهِر وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ دُخُول غَيْر الْمَقْصُود فِي الْعَامِّ أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إخْرَاجِهِ وَإِلَّا لَمْ يَدْخُل فِيهِ قَطْعًا وَالْقَرِينَة هُنَا اطِّرَاد اسْتِعْمَال ذَلِكَ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدَةَ لَا زَائِد عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَال إنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إخْرَاجُ الْمُصْحَفِ بَلْ الْمَقْصُودُ إدْخَالُهُ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِف الثَّوَاب وَهُوَ فِي وَقْفِ الْمُصْحَفِ أَكْثَر فَلَمْ يُعَارِضْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015