تَقْرِيرُهُ لِلثَّانِي إبْطَالًا لِتَقْرِيرِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ حَالُ تَقْرِيرِ الثَّانِي ذَاكِرًا لِتَقْرِيرِ الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ أَوْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ وَإِلَّا اشْتَرَكَا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعُمَرَ وَشَرَّكَ بَيْنهمَا فَإِنْ قَالَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِعُمَرَ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأَوْلَى وَفِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْجَمِيعُ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمُقَرَّرِينَ فِي السُّؤَالِ فَبَطَل حَقُّ الْأَوَّلِ لِعِلْمِهِ بِالْمَوْتِ وَغَيْبَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْوَاقِفُ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ اسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حَقٌّ نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ الثَّابِتَةُ وِلَايَتُهُ أَوْ وَكَالَتُهُ وَإِلَّا فَلَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا جُدِّدَ مَسْجِدٌ وَزِيدَ عَلَى حُدُودِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَهَلْ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْن كَوْنِ الْأَرْضِ الَّتِي زِيدَ فِيهَا مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ وَبَيْن نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَالْإِطْلَاقِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُت لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَهَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهَا إنْ وَقَفَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِأَرْضِهَا مَسْجِدًا بِأَنْ تَلَفَّظَ الْوَاقِفُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَرْضُ الزِّيَادَةِ مَوَاتًا وَنَوَى بِالْبِنَاءِ فِيهَا إحْيَاءَهَا مَسْجِدًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا ضَرَرٌ كَهَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَوْ إحْدَاث مَا يَضُرّهُ كَوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِهِ فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ امْتَنَعَتْ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ أَحَدٌ وَقَفْتُ كَذَا وَجَعَلْتُ زَيْدًا وَالِيًا عَلَيْهِ وَهُوَ بِحِلٍّ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ يُؤَثِّرُ هَذَا الْإِحْلَالُ أَثَرًا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا قَوْلُهُ وَجَعَلْته وَالِيًا عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ شَرْطُ النَّظَرِ لَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ قَالَ السُّبْكِيّ وَمُوَرِّقُو كُتُبِ الْأَوْقَافِ تَارَةً يَقُولُونَ وَشَرَطَ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَيَفْهَمُونَ بَيْنهمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلهُ فِي ضِمْنِ الْكِتَابِ.

وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابُ وَبَعْد تَمَامِ الْوَقْفِ جَعَلَ النَّظَرِ لِفُلَانٍ أَوْ شَرَطَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَالْحَاصِل أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْوَقْفُ عَلَى صِفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الْجَعْلِ أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَ جَمِيعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْرَدَ الْوَقْف وَحْده ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الشُّرُوطَ مُتَرَاخِيَةً أَوْ مُتَعَاقِبَةً فَإِنَّهَا لَا تَلْزَم وَلَا تَصِحّ وَفِي إطْلَاقه ذَلِكَ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا مَرَّ فِي وَقَفْت وَشَرَطْت وَيُجَاب بِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي عِبَارَاتِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمُحْتَمَلَة لِصُدُورِهَا مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِمَا ذُكِرَ.

وَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ الْمُحَقِّقِ فَعُمِلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ بِحِلٍّ إلَخْ فَلَا أَثَر لَهُ لِأَنَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ لَا الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْإِبَاحَةُ لَا تُتَصَوَّر مِنْ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ بِالْوَقْفِ خَرَجَتْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ مِلْكه فَلَا تَنْفُذُ إبَاحَتُهُ فِيهَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الصِّيغَةِ لَوْ صَدَرَتْ مَنْ حَيٍّ لِآخَرَ فِي مَالِهِ لَمْ يَسْتَبِحْهُ بِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِيح بِهَا مِنْ الْوَاقِفِ شَيْئًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبَحْت لَك مَا فِي دَارِي مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مَا فِي كَرْمِي مِنْ الْعِنَبِ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لَا بَيْعُهُ وَحَمْلُهُ وَتُقْتَصَرُ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَلَوْ قَالَ أَبَحْت لَك جَمِيعَ مَا فِي دَارِي أَكْلًا وَاسْتِعْمَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْجَمِيعَ لَمْ تَحْصُلْ الْإِبَاحَةُ اهـ. فَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الَّتِي نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مَعَ الْجَهْلِ لَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا تُفِيدَهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ مِمَّا قَرَّرْته عَلَى أَنَّ لِلْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالًا فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا بِالْبُطْلَانِ.

فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأُمِّي السُّكْنَى بِهَا حَتَّى تَمُوتَ

فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ وَيَلْغُو الِالْتِزَام وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا فَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَتنَا وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015