الْأَوَّلِ وَمِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ صَوْبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ إذَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ يَكُونُ تَأْكِيد وَالْآخَرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ تَأْسِيسًا رَجَّحَ الثَّانِي لِأَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ قَوْلِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ وَأَنَّ قَوْله آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ يُنَافِيه فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ دَافِعٌ لِمَا أَفْهَمَتْهُ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ الْمُقْتَضِيَةُ بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأُنْثَى فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة أَيْضًا وَوَجْهُ دَفْعِهِ لِذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُقَدِّرُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.

فَعُلِمَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَأْسِيسًا أَيَّ تَأْسِيس سَوَاء أَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَمْ الثَّانِي بِخِلَافِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لَا يُقَالُ بَلْ يَأْتِي التَّأْسِيسُ عَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا لِصِحَّةِ تَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَالْعَطْفُ لَيْسَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ بَلْ عَلَى الْمُضَافِ الْأَعَمِّ فَلَا قَيْدَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ.

فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ فَاعْتُبِرَ فِي الْمَعْطُوفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى الْأَرْجَحِ مَنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَأَمَّا مُرَجِّحُ الثَّالِثِ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْعُدَ عَادَةً أَنَّ الْوَاقِفَ يُعْطِي بِنْتَ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ وَلَا يُعْطِي بِنْتَ ابْنه وَقَدْ نَظَرَ إلَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَادِيَة وَكَوْنِهَا مُرَجِّحَةً الْبُلْقِينِيُّ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ لَكِنَّ كَلَامَهُمْ لَا يُسَاعِدُهُ حَيْثُ أَشَارُوا إلَى أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِف كَنَصِّ الشَّارِع فِي النَّظَر فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَادَةِ وَكَوْن الْوَاقِفِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ يَثْبُت بِاحْتِمَالِ التَّفْصِيلِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ نَفْسَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ تَدْخُلْ الْإِنَاثُ وَإِنْ اُحْتُمِلَ التَّغْلِيبُ احْتِمَالًا ذَائِعًا شَائِعًا لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَة أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقِفُ عَلَى ابْنِهِ دُون بِنْتِهِ فَإِخْرَاجه الْبِنْتَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَقَطْ لِظُهُورِهِ مَعَ شَهَادَةِ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَلِلْعَمَلِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِنْ خَلَّى عَمَّا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَات وَظَاهِر لَفْظ الْوَاقِف هُنَا أَنَّ قَوْله الذُّكُور بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إذْ الْمُضَافُ مَتَى كَانَ هُوَ الْمُحَدَّث عَنْهُ تَعَيَّنَ كَوْنَ الصِّفَة.

وَمِثْلُهَا الْبَدَلُ رَاجِعَةً إلَيْهِ إلَّا لِصَارِفٍ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا تُؤَمِّلَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَرِينَةِ الْعَادِيَّةِ بِمُجَرَّدِهَا فَقَطْ بَلْ بِاعْتِضَادِهَا بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ فِي صُورَة تُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامه وَفِي مَسْأَلَتنَا لَمْ تُعْضَد الْقَرِينَةَ الْعَادِيَّةَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَلَا نَظَر إلَيْهَا وَمِمَّا يُضْعِفُ الِاحْتِمَالَ الثَّالِثَ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى إلَخْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء وَعَلَى تَقْدِير كَوْنِ الذُّكُورِ بَدَلًا مَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا لِمَا بَعْدَهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّبَقَاتِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ بَدَلًا مَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَطْفِ كَمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدًا مَنْ الْإِنَاثِ فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَأَخْرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَى إلَخْ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ.

وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنَى مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مُتَّحِدًا مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَعَلَى غَيْرِهِ يَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ لَوْ جَعَلْنَاهُ رَاجِعًا إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فَتَعَيَّنَ الْفِرَارُ مَنْ هَذَيْنِ وَالْقَوْلُ بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَنْ عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ هَذَا مَا سَنَحَ لِي وَلَا أَجْزِمُ بِأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015