وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسَّبْقِ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ مَجِيءِ الْقَاضِي فَلْيَكُنْ الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ مِثْلَهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي وَعِبَارَتُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ كُلَّ يَوْمٍ ثِقَةً إلَى مَجْلِسِ حُكْمِهِ حَتَّى يُثْبِتَ أَسَامِيَ الْخُصُومِ وَيَكْتُبَهَا الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ مَنْ سَبَقَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ.

وَقَوْلُهُمْ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالسَّبْقِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الْقَاضِي فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ السَّابِقُ إلَى مَحَلِّ الدَّرْسِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الشَّيْخِ وَقَبْلَ زَمَنِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّقْدِيمِ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ سَوَاءٌ أَجَاءَ أَيْضًا قَبْلَ الْوَقْتِ أَمْ أَوَّلَهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَرْيَةٍ فِيهَا مَسْجِدٌ لَهُ وَقْفٌ وَمِنْهُ وَقْفٌ عَلَى مُدَرِّسٍ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَالِبُ عِلْمٍ فَضْلًا عَنْ مُدَرِّسٍ وَفِي قَرْيَةٍ أُخْرَى مُدَرِّسٌ لَكِنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا لِلتَّدْرِيسِ فِيهَا ضَاعَ يَوْمُهُ بِغَيْرِ نَفْعٍ وَفِي قَرْيَتِهِ طَلَبَةُ عِلْمٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُدَرِّسَ لَهُمْ فِي قَرْيَتِهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَأْخُذُ مَا عُيِّنَ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لَا وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَازَ لِنَاظِرِهِ وَلِلْحَاكِمِ نَقْلُ التَّدْرِيسِ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ مَدْرَسَةٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا هَذَا الْمُعِيدَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَمَضَتْ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِمْرَارُهُ وَأَخْذُ الْجَامِكِيَّةِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِف لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ هَذَا مُدَّةً وَغَيْرُهُ مُدَّةً قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْف بِالصُّورَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ اهـ.

وَصُورَةُ السُّؤَالِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَقْفِ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالطَّلَبَةِ إلَّا دَوَامَ أَحْيَاءِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ شِعَارِهِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِوُجُودِ الْمُدَرِّسِ فِي غَيْرِ مَدْرَسَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُهُ فِي مَدْرَسَتِهِ.

وَمِمَّا يُصَرَّحُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْل جَمْع لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ نَقَلَ الْحَاكِم مَا فِيهِ مِنْ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْخُوَارِزْمِيِّ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ بَلَدِهِ أَوْ خَرِبَ فَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ عَلَى نَقْضِهِ تُرِكَ بِحَالِهِ وَإِنْ خِيفَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ حُفِظَ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ.

قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْقَلَ لِأَقْرَبِ الْجِهَاتِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ إلَى الْأَبْعَدِ وَالْحَاصِلُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ عِمَارَةِ هَذَا الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي يَصْرِفُ إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِ نَوْعِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدُ نَوْعُهُ فَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ كَالرَّبْطِ وَالْقَنَاطِر وَالْآبَارِ لِلضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ مَا قَالُوهُ فِي نَقْلِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهَا وَنَقْلِ النَّقْضِ وَنَقْلِ رِيعِ الْوَقْفِ تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَخَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا مَرَّ فِي نَقْلِ الرِّيعِ فَقَالَ لَوْ خَرِبَتْ مَحَلَّةُ مَسْجِدٍ صُرِفَ رِيعُهُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَنْقَطِعُ لِبَقَائِهِمْ عَلَى الْأَبَدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ نُقِلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ ابْنِ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالسِّقَايَةِ وَالْمَدْرَسَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إلَى غَيْرِهِ بَلْ يُحْفَظُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ أَوْ إلَى أَقْرَبِ مَحَلٍّ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِطَرِيقِ السِّقَايَةِ وَمَنْ نَقَلَهُ ابْتِدَاءً أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى مَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا رَجَا عَوْدَ النَّاسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَ فِيهِ النَّقْلَ لِلْأَقْرَبِ وَكَذَا فِيمَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِتَعْبِيرِي فِيهِ كَمَا مَرَّ بِالتَّعَذُّرِ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِأَنْ رَجَا عَلَى قُرْبِ عَوْدِ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَتِهِ فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ النَّقْلَ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ حَيْثُ أَيِسَ عَادَةً مِنْ عَوْدِ مَنْ ذُكِرَ عَلَى قُرْبٍ عُرْفًا فَحِينَئِذٍ يُنْقَلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015