عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ مِنْهُ لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِهَا أَوْ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِمَّنْ آجَرَهُ الشَّرِيكُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَيْضًا إجَازَةُ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ فَأَجَّرَهُ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ هَلْ يَدْفَعُ لِشَرِيكِهِ فِي الْوَقْفِ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا كُلَّ سَنَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الشَّرِيكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ مِنْ غَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَجَّرَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَأَجَازَهُ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ صَحِيحًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافه.
وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ أُجْرَةٌ مِثْلَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُتَوَلِّي لِقَبْضِهَا هُوَ النَّاظِرُ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ الْإِجَارَةُ وَيَصْرِفُهَا فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَلَهُ إجَارَة الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَقَصِيرَةً حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَرَطَ الْوَاقِفِ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّونَ أَمْ سَخِطُوا ثُمَّ الْأُجْرَةُ مَتَى اسْتَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا صُرِفَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحَال وَأَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ بِأَنْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَصْرِفُ لَهُ جَمِيعَهَا جُمْلَةً خَشْيَةَ مَوْتِهِ وَانْتِقَالِهَا لِغَيْرِهِ بَلْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مُرَاعِيًا مَا اسْتَقَرَّ مِنْهَا حَتَّى لَا يُصْرَفُ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَقِرّ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَفَّالُ فَقَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ نَسْلِهِمْ ثَمَّ الْفُقَرَاءِ فَأَجَّرَ أَيْ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ الْأُجْرَةَ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ فَمَاتَ الْآخِذُ فَعَلَى الْقَيِّمِ الضَّمَانُ اهـ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَارًا تُكْرَى فَإِذَا مَضَى وَقْتٌ فَقْد حَصَلَ لَهُمْ أُجْرَةُ ذَلِكَ الَّذِي مَضَى اهـ.
وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَلَا يَصْرِفُهَا لَهُ خَشْيَةَ انْتِقَالهَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تُصْرَفُ إلَيْهِ جَمِيعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ احْتَمَلَ عَدَمَ بَقَائِهِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الشَّطْرِ إلَى الزَّوْجِ بِالْفِرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ اهـ.
وَهَذَا مُتَّجَهٌ مُدْرَكًا وَقِيَاسًا لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَالْفَرْقُ بَيْن الْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَاقِفَ اخْتَصَّ عَنْ غَيْرِهِ بِمَزِيدِ احْتِيَاط وَأَيْضًا فَنَحْو الزَّوْجِ مُتَصَرِّفٌ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَالْعُمُومِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِالْأَصْلَحِ وَأَخْتَصّ تَصَرُّفُهُ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ الْمُتَصَرِّفُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهٌ وَاضِحٌ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ تِلْكَ الصُّوَرِ فَلَا مَحِيدَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَرَّرَ الشَّيْخُ زَمَانَ الدَّرْسِ وَمَكَانَهُ وَالطَّلَبَةُ جَمَاعَةٌ مُتَعَدِّدُونَ وَقَرَّرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فَلَوْ قَدِمَ أَحَدٌ إلَى الدَّرْسِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ وَاسْتَمَرَّ وَجَاءَ آخَرُ أَوَّلَ زَمَانِهِ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِهِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ تَقَدُّم فَيَسْتَحِقُّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ مَنْ قَارَنَهُ فِي أَوَّلِ زَمَانِ الدَّرْسِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ بِالنَّدْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ بَلْ صَرِيحُهُمَا تَرْجِيحُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُفْتِي حَيْثُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي عِنْدَ اجْتِمَاع الرِّقَاعِ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَق كَمَا يَفْعَلهُ الْقَاضِي فِي الْخُصُومِ وَهَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِفْتَاء فَإِنْ تَسَاوَوْا وَجَهِلَ السَّابِقَ (الطَّلَبَةُ) قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُدُّ رَحْلَهُ وَفِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَنَحْو ذَلِكَ عَلَى مِنْ سَبَقَهُمَا إلَّا إذَا كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ بِحَيْثُ يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ بِتَقْدِيمِهِمْ ضَرَرٌ كَبِيرٌ فَيَعُودُ إلَى التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ أَوْ الْقُرْعَةِ ثُمَّ لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ إلَّا فِي فُتْيَا وَاحِدَة وَقَوْلِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ