ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ مِلْكٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى النَّاظِرِ بِمَا صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ أَوْ لَا عُرِضَتْ عَلَى شَيْخِنَا تَاجِ الدِّينِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا فَأَقَامَتْ مُدَّةً لَا يَكْتُبُ عَلَيْهَا أَحَدٌ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْمُعَوَّلُ فِي الْمُعْضِلَاتِ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا صَرَفَهُ إلَى ذَلِكَ وَخَرَّجَهُ عَلَى أَصْلٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يُلْتَزَمْ ضَمَانُهُ يُرْجَعُ بِهِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَأْذُونًا فِيهِ ظَاهِرًا ثُمَّ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ بِذَلِكَ فَاتَّبَعَ ظَنَّهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَ مَا يَصْرِفُهُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُهُ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ لُزُومِ ضَمَانِهِ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْته أَنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ.
وَمَا قَرَّرْته مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ أَظْهَرُ مِمَّا قَرَّرَهُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعَجِبْت مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ بِالصَّرِيحِ مَعَ كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ مَحِلَّيْنِ عَلَى جَمْعٍ وَجِهَاتٍ لِلَّهِ كَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ أَحَد الْمَحِلَّيْنِ وَتَعَطَّلَ الثَّانِي بِهَدْمٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ وَجَدَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا يُجْعَلُ فِي أُجْرَةِ الْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ يُوَزِّعُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مُرَتَّبًا أَوْ مُتَسَاوِيًا أَمْ لَا وَإِذَا بَاعَ أَوْ رَهَنَ الْوَقْفَ هَلْ يُعْزَلُ وَيُفَسَّقُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا وَقُلْتُمْ يَئُولُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُقِيمُ نَائِبًا عَنْهُمَا فَإِذَا فَاقَ أَوْ كَمُلَ الصَّبِيُّ هَلْ تَعُودُ وِلَايَتُهُمَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ رَتَّبَ الْوَاقِفُ صَرْفَ الْغَلَّةِ أَوْ بَيَّنَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا رَتَّبَهُ وَإِلَّا فَمَا وُجِدَ مِنْ الْغَلَّةِ يُقْسَمُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِذَا تَعَدَّى النَّاظِرُ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ انْعَزَلَ وَلَزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ وَكَذَا إذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا فَإِذَا زَالَ مَانِعُهُ عَادَتْ وِلَايَتُهُ إنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ تَعُدْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) عَنْ قَاضِي مَكَّةَ وَنَاظِرِ الْحَرَمِ إذَا أَنَابَ مَنْ يَقْبِضُ غَلَّاتِ أَوْقَافِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِإِيجَارِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا وَقَبْضِ مُسْتَغَلَّاتِهَا وَإِيصَالِهَا إلَى الْحَرَمِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَحَصَّلَ غَلَّةً وَاحْتَاجَ لِمَا يَصْرِفُهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَصِلَ بِهَا إلَيْهِ فَاسْتَدَانَ وَأَصْرَفَ لِمَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَهَلْ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَقْفِ وَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَائِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ نَائِبُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ بِمَا صَرَفَهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمُخَالَفَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ وَسَبَقَهُ إلَى الْإِشَارَة لِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ إنْفَاقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْقَاضِي إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَإِذْنُ النَّاظِرِ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ النَّاظِرَ نَفْسَهُ لَوْ أَصْرَفَ مِنْ مَالٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ احْتَاجَ إلَى إذْنِ الْقَاضِي وَكَوْنُ الْمُسْتَنِيبِ هُنَا قَاضِيًا لَا يُفِيدُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَاضِي هُنَا قَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوِلَايَةَ لِقَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَوَّلِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَشْبِيهُ مَا هُنَا بِالْقَاضِي بِالنِّسْبَةِ لِلْوِلَايَةِ عَلَى مَال الْيَتِيمِ مِنْ حَيْثُ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْحِفْظِ وَنَحْوِهِ وَوِلَايَةِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بِالتَّفْرِقَةِ وَالِاسْتِنْمَاء وَغَيْرِهِمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْوِلَايَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَقَرُّوهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْفٌ مُشْتَرَكٌ وَلِأَحَدِهِمَا النَّظَرُ وَالتَّكَلُّمُ وَالْعِمَارَةُ وَصَرْفُ مَا يُحْتَاجُ صَرْفُهُ إلَيْهِ كَمَا شَرَطَهُ وَاقِفُهُ فَإِذَا اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ الثَّانِي الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ وَلَا تَكَلُّمٌ بِالسُّكْنَى وَالْإِجَارَةِ وَالْعِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ