ذَكَرْته مُفَصَّلًا فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا.
وَصَرِيحُ قَوْلِهِ وَلَا يُؤَجَّرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ هَذَا الْوَقْفِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ فَوَاضِحٌ أَوْ جَمْعٌ تَهَايَئُوا وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِلتَّرْتِيبِ وَتَجُوزُ لَهُمْ إعَارَتَهُ وَإِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْإِيجَارِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ نَعَمْ لَوْ خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِيجَارِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا يُورَدَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ فَخَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِإِيجَارِهِ سِنِينَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ هُنَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يَدْخُلُ هَذَا الْوَقْفَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْقَافِ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ ذَكَرٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ انْتَقَلَ النَّظَرُ فِيهِ لِلرَّشِيدِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ انْتَقَلَ النَّظَرُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف أَوْ لَا إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ وَكَانَ النَّاظِرُ اسْتَلَمَ رِيعَهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَأَصْرَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَفِي جِهَاتِهِ فَعَلَى مِنْ يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ النَّاظِرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاظِرُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَ مِنْهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِذَا كَانَ أَصْرَفَهَا النَّاظِرُ فِي تَسْبِيلِ مَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ وَوَرَّطَهُ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ شَيْئًا فَصَرَفَهُ النَّاظِرُ عَلَى مَا شَرَطَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ فَالْوَاقِفُ غَاصِبٌ إنْ عَلِمَ تَعَدِّيَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ فَهِيَ يَدُ ضَمَانِ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُطَالَبَةِ نَحْوِ الْغَاصِبِ وَالْآخِذِ مِنْهُ بِرَدِّ الْمَوْجُودِ.
وَضَمَانِ التَّالِف وَإِنْ جَهِلَ الثَّانِي تَعَدِّي الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا جَهِلَ الْآخِذ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ مَوْضُوعَةً لِلضَّمَانِ كَعَارِيَّةٍ وَسَوْمٍ وَهِبَةٍ وَبَيْعٍ فَقَرَارُ ضَمَانِ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ نَقَصَ بِنَاؤُهُ وَغِرَاسُهُ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ لَا بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَمَانَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِع الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمُفَوَّتَةِ عَلَى الثَّانِي إلَّا فِي الْإِجَارَةِ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ أَفَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ فَاتَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْقَابِضُ مِنْ نَحْوِ الْغَاصِبِ أَوْ عِيبَ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ مُسْتَقِلًّا أَمْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَهُ وَلَوْ جَاهِلًا نَعَمْ لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَقَرَارُ النَّقْصِ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَأَمَرَ خَيَّاطًا بِقَطْعِهِ فَقَطَعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ وَلَوْ أَمَرَ الْغَاصِبُ إنْسَانًا بِإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ بِنَحْوِ قَتْلٍ أَوْ إحْرَاق فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِالْحَالِ فَالْقَرَار عَلَى الْمُتْلِفِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَوْفَى شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي ظَهَرَتْ مَمْلُوكَةً قَرَارُ ضَمَانِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ وَأَنَّ لِمَنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَّا فَعَلَى تَرِكَتِهِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَمَا فَاتَ فِي يَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِخِلَافِ مَا فَوَّتَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَأَمَّا مَا صَرَفَهُ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ بِجَامِعِ أَنَّ النَّفْعَ عَادَ عَلَى الْآمِرِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ مَحْضُ آلَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَأْمُورَ بِالْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَقِلًّا لَا آلَةً وَتَصَرُّفُ النَّاظِرِ لَيْسَ إتْلَافًا فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِمَا فَوَّتَهُ وَلِمَا فَاتَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ.
وَمَا دَفَعَهُ لِلنَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ
ثُمَّ رَأَيْتُ جَامِعَ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَالتَّاجِ الْفَزَارِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَمُعَاصَرِيهِمْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ التَّاجِ الْفَزَارِيّ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِي النَّاظِرِ فَقَالَ وُقِفَ بَيْتٌ عَلَى حَاكِمٍ وَحَكَمَ بِهِ وَوَلَّى عَلَيْهِ نَاظِرًا يَصْرِفُ أَجْرَهُ فِي الْمَصَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَبَاشَرَ النَّاظِرُ ذَلِكَ مُدَّةً بِأَمْرِ الْحَاكِمِ