وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَإِذَا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ فِي عَشَرِ عُقُودٍ كُلَّ سَنَةٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ عِمَادُ الرِّضَا فِي بَيَانِ أَدَبِ الْقَضَا أَمْ لَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ نَظَرًا لِلَّفْظِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا؟ .
وَقَالَ: وَهُوَ أَفْقَهُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَامِرًا أَمْ خَرَابًا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الِامْتِنَاعِ نُظِرَ فِيهِ إلَى الْمَعْنَى فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ فِي عَقْدٍ فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَيُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ قَالَ صَاحِبُ الْإِسْعَادِ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَمَا أَفْتَى بِهِ مُتَّجَهٌ جِدًّا اهـ. وَإِنَّمَا يَتِمُّ اتِّجَاهُهُ عِنْد النَّظَر لِلْمَعْنَى كَمَا قَرَرْته لَكِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامهمْ وَتَفَارِيعهمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ فِي الْغَالِب يُرَجِّحُونَ مَا كَانَ أَقْرَب إلَى لَفْظ الْوَاقِف مِمَّا هُوَ أَقْرَب إلَى غَرَضه دُون لَفْظه؛ وَلِهَذَا يَظْهَر تَرْجِيح الْجَوَاز.
وَمِنْ ثَمَّ جَرَى عَلَيْهِ ابْن الْأُسْتَاذ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَار وَتَبِعَهُمَا شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْده وَغَيْره فَانْدَفَعَ قَوْل مَنْ قَالَ: الْمُعْتَمَد مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَجْه انْدِفَاعه مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الْجَوَاز أَقْرَبُ إلَى كَلَام الْأَئِمَّة وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَخَالَفُوا ابْنَ الصَّلَاحِ وَلَمْ يُبَالُوا بِذَلِكَ وَلَا يَجُوز لِحَاكِمٍ نَقْضُ حُكْم غَيْره بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَمَد كَمَا عَلِمْت وَمَحَلّ الْخِلَاف حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِط الْوَاقِف أَنْ لَا يَدْخُلَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا؛ لِاسْتِلْزَامِ الْقَوْل بِصِحَّتِهِ مُخَالَفَةَ تَصْرِيحَ الْوَاقِف بِامْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْر ضَرُورَة دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْوَقْف عَامِر، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَته سُئِلَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِر الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ امْرَأَة مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ وَرَثَة مِنْهُمْ أَخٌ وَبِنْت وَكَانَتْ أَقَرَّتْ فِي صِحَّتهَا لِلْأَخِ أَنَّهَا وَقَفَتْ مَالهَا عَلَى الْبِنْت فَأَخْبَرَ الْأَخ الْوَرَثَة بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ فَهَلْ يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ؟ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ فَمَا يَكُونُ الْحُكْم فِي نُصِيب الْأَخ الْمَذْكُور
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ وَنَصِيب الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ تَسْتَحِقّهُ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَة وَبَقِيَّة ذَلِكَ يَكُونُ لِبَقِيَّةِ وَرَثَة الْمُقِرّ وَاَللَّه أَعْلَم اهـ.
جَوَابه فَهَلْ هَذَا جَوَاب صَحِيحٌ مُعْتَمَد، وَحَيْثُ قُلْتُمْ نَعَمْ فَإِذَا أَخْبَرَ شَخْص أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الْعَيْنَ عَلَى أَوْلَاده وَغَلَبَ عَلَى الظَّنّ صِدْقُهُ فَهَلْ هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَة فَلَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَمَا الْفَرْق؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَاب عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة حَاصِله أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُت بِمَا ذَكَره الْأَخ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ.
وَيَثْبُت بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ فَتَسْتَحِقّ الْبِنْت نَصِيبه؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّة الْوَرَثَة كَمَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُور، وَمَنْ أَخْبَرَ بِوَقْفٍ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَهُ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَقْفٍ هَذِهِ صُورَته هَذَا مَا وَقَفَهُ وَحَبَسَهُ وَسَبَّلَهُ وَأَبَّدَهُ وَحَرَّمَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَكِينَةَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ حَالَ هَذَا الْوَقْف وَهُمْ مُحَمَّد وَخَدِيجَة وَرَابِعَة وَأُمّ الْكَامِل وَفَاطِمَة وَحَفْصَة وَعَلَى مَنْ يُحَدِّثُهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد غَيْرهمْ فِي أَيَّام حَيَاته ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُور عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ جَمِيعَ مَا ذَكَره فِي كِتَابِ وَقْفِهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا ذَكَر مِنْ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة بِمَرَافِقِهَا وَجَمِيع سُقْيَتِهَا مِنْ آبَارهَا الْمَعْرُوفَة بِهَا وَالدَّاخِلَة فِي حُكْم ذَلِكَ الْوَقْف وَمِنْهُ جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة مِنْ الْأَشْجَار عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ الْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ، وَقَفَ وَحَبَسَ وَسَبَّلَ وَحَرَّمَ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَاب مِنْ خَالِص وَمُشَاع وَقْفًا مُؤَبَّدًا وَحَبْسًا مُحَرَّمًا مُؤَكَّدًا وَصَدَقَةً بَتَّةً بَتَلَةً عَلَى أَوْلَاده الْمَوْجُودِينَ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ غَيْرَهُمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْل حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَلَى أَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور دُون الْإِنَاث فَلَيْسَ لِأَوْلَادِهِنَّ حَظّ وَلَا نَصِيب فِي هَذِهِ الصَّدَقَة