وَإِذَا تَسَلَّمَ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُعَمِّرَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يُعِيدَ الْمَوْقُوفَ الَّذِي يُرِيدُ عِمَارَتَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ كَجَعْلِ دَارٍ حَمَّامًا وَأَرْضٍ دَارًا، نَعَمْ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ عَمَّرَ بِحَسْبِهَا وَقَيَّدَ السُّبْكِيّ جَوَازَ التَّغْيِيرِ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَكَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَلَمْ يُزِلْ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُ بَعْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُ الْغَلَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كُلَّ سَنَةٍ بِحِسَابِهَا، فَإِنْ عَجَّلَ ضَمِنَ وَمَتَى عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ.
وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ إنَّمَا تَجُوزُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ السُّبْكِيّ بِشُرُوطِهَا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُ مَا تَمَيَّزَ مِنْ خَشَبِهِ وَنَقْضِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَصْرَفَهُ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْقَاضَ الْوَقْفِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ، فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِلَا تَعَدٍّ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَصْرَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَّرَ لِامْتِنَاعِ النَّاظِرِ مِنْ الْعِمَارَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَ امْتِنَاعِ النَّاظِرِ تَعَدِّيًا رَجَعَ بِمَا أَصْرَفَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَرْغَبُ بِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ حَالَ الْإِجَارَةِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا لِلْمُسْتَقْبِلَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَشَهَادَةُ الشُّهُودِ بِأَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْعَيْنِ إذَا أُجِّرَتْ خَمْسِينَ سَنَةً بِكَذَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا بِأَمْرٍ مُنْضَبِطٍ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِيهَا حَالَ الْإِجَارَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً بِأُجْرَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْإِجَارَةِ ثُمَّ زَادَتْ الْأُجْرَةُ زِيَادَةً كَثِيرَةً لَمْ يُلْتَفَتْ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ إلَّا مَا نَقَصَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِئْجَارِ لَا بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مِرْحَاضٍ وَمَخْزَنَيْنِ وَسَرْحٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْمَخْزَنَيْنِ لِكَوْنِهِ حَرِيمًا لَهُمَا بَلْ يَتَوَقَّفُ نَفْعُهُمَا عَلَيْهِ فَأَجَّرَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ نَاظِرُهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَرَاهُ فَهَدَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَخْزَنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمِرْحَاضَ وَأَعَادَ بَدَلَهُمَا اثْنَيْنِ دُونَهُمَا وَزَادَ فِي السَّرْحِ الْمَذْكُورِ نَحْوَ سِتَّةِ مَخَازِينَ أُخْرَى وَبَنَى فَوْقَ عُلُوِّ ذَلِكَ مِثْلَهُ فِي الْعَدَدِ وَالْقَدْرِ فَأَخْرَجَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ وَضْعِهَا وَاسْمِهَا بِحَيْثُ صَارَتْ الْآنَ تُسَمَّى رِبَاطًا لَا دَارًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْمُ مَا بَنَاهُ وَأَرْشُ مَا هَدَمَهُ مِنْ أَعْيَانِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْأَعْيَانِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي أَتْلَفَهَا بِالْهَدْمِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى تَعَدِّيهِ فِي الْوَقْفِ وَتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ وَرُسُومِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ الْوَقْفَ عَنْ هَيْئَتِهِ فَلَا تُجْعَلُ الدَّارُ بُسْتَانًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا بِالْعَكْسِ.
إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ مَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ وَرَأَى النَّاظِرُ التَّغْيِيرَ مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَجُوزُ جَعْلُ حَانُوتِ الْقَصَّارِينَ لِلْخَبَّازِينَ قَالَ الشَّيْخَانِ: فَكَأَنَّهُ احْتَمَلَ تَغْيِيرَ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ.
وَإِذَا خَرِبَ الْبِنَاءُ الْمَوْقُوفُ بِفِعْلِ ظَالِمٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ آلَاتُهُ أُخِذَ مِنْهُ غُرْمُهَا وَأُعِيدَ بِهِ مِثْلُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ وَوَقَفَ، وَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قَائِمَةً وَمَقْلُوعَةً وَأُعِيدَ بِهِ الْمَقْلُوعُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَدْمُ الْمُسْتَأْجِرِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ التَّعَدِّي عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَعَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْجَرَاءَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِعَادَتِهِ لِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي أَخْرَجَ بِهَا الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ عَنْ اسْمِهَا إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَا يَرْفَعُ تَعَدِّيَهُ الْمَذْكُورَ، بَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ لِيُعَزِّرَهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ يُلْزِمَهُ بِهَدْمِ مَا بِنَاهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نَقْصُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي هَدَمَهُ مَوْجُودًا لَزِمَهُ الْأَرْشُ السَّابِقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ثُمَّ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ الدَّارَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَإِدَامَةً لِمَا قَصَدَهُ مِنْ دَوَامِ الْقُرْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.