الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ؟ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُصْطَلِحِينَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِشَرْطِ بَقَاءِ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ تَخْصِيصِهِ؟ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.

وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَلْفٍ وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ أَلْفٍ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْأَلْفَيْنِ لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَلْفُ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلَوْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ إذَا قُلْت: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ أُرِيدُ بِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ.

وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَالُ الطَّلَاقِ فِي إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَتِهِ زَوْجَتَهُ عَلَى مَعْنَى التَّخْلِيصِ وَحَلِّ الْوَثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِعُرْفِهِمْ فِي أَنَّ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ حُبِسَ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ بَلْ الْعَامُّ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ كَمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ فَلَوْ عَمِلْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَغَيَّرْنَا صَرِيحَ قَوْلِهِ: حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ لَوْ تَعَارَضَ الْعُرْفُ وَالْوَضْعُ، فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى الْوَضْعِ، وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اتِّبَاعَ الْعُرْفِ أَيْ: وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مَسَائِلَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ لَهُمَا فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِنْ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا هُجِرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَوْ اضْطَرَبَ وَعَمَّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاطَّرَدَ وَاشْتُهِرَ، فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَبِهِ يَزُولُ عَنْك اسْتِشْكَالُ كَثِيرِينَ لِمَا وَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَيْمَان وَغَيْرِهَا مِنْ تَقْدِيمِ اللُّغَةِ تَارَةً وَالْعُرْفِ أُخْرَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِوَضْعِ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْعُرْفِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَيْمَانِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اللُّغَةَ إذَا عَمَّ اسْتِعْمَالُهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فِي شَيْءٍ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ، فَإِذَا عَلِمْت تَقْدِيمَهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَمَا بَالُك بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ فَلْتُقَدَّمْ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْت) عَمَّا إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَوْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرُدَّ فَهَلْ تَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا يُنَافِي الْوَقْفَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ رَدٍّ رَدٌّ؟ (فَأَجَبْت) مَتَى شَرَطْنَا الْقَبُولَ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيجَابِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَاقِفِ كَالِاتِّصَالِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ كَتَصَرُّفِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ فَوَقَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَرَطْنَا عَدَمَ الرَّدِّ فَلَمْ يَرُدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، فَإِذَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ مَا جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ أَثِمَ وَضَمِنَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا مِنْهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: رَدَدْت بِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي مُنَافَاةِ الْوَقْفِ وَإِبْطَالِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ الْمُنَافِي لِمَا جَعَلَهُ لَهُ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَلَا مُقْتَضَاهُ لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا يَسُوغُ لَهُ فَأَوْلَى الْوَقْفُ، وَأَيْضًا فَدَلَالَةُ الْفِعْلِ أَضْعَفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْقَوْلِ لِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَصَرَاحَةِ الثَّانِي فَلَا يُقَاسُ فِعْلُ الْمُنَافِي بِقَوْلِهِ: رَدَدْت؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُنَافِي مُحْتَمِلٌ لِلرَّدِّ احْتِمَالًا ضَعِيفًا، وَقَوْلُهُ: رَدَدْت صَرِيحٌ فِي الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهَا، وَالْفِعْلُ كَمَا يَحْتَمِلُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُقْتَضِيًا لِلرَّدِّ بَلْ لَوْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ لَمْ يَكُنْ رَدًّا أَيْضًا كَمَا هُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ مَقُولَةِ الْأَحْكَامِ الْمُنَاطَةِ بِاللَّفْظِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّذْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفِعْلُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ شَأْنُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَقِّفِ حُصُولُهَا عَلَى اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهَا.

(وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ فِي وَقْفِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ وَقَفْت أَوْ أَوْصَيْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ يُسْرَجُ بِغَلَّتِهَا أَوْ لِلْمِصْبَاحِ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015