الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِ، وَلَوْ مَرَّةً.

وَإِذَا تَزَاحَمَ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مَنْ قَرَّرَهُ الْوَصِيُّ أَوْ نَحْوُهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَلَهُ تَقْرِيرُ وَاحِدٍ وَمُتَعَدِّدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ فِي لَفْظِ الْوَصِيِّ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا ذَكَرْته مِنْ تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى التَّقْرِيرِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ كَوْنَهُ وَصِيَّةً مَحْضَةً، وَإِلَّا بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا تُفِيدُ اسْتِحْقَاقًا بِشَرْطٍ، وَهَذَا يَحْتَاجُ فِي تَنْفِيذِهِ إلَى نَظَرٍ فَتَوَقَّفَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى مَنْ يَرَاهُ النَّاظِرُ أَهْلًا وَيُقَرِّرُهُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي مِنْ إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ إلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقَارِئِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ثَوَابَ كُلِّ إنْسَانٍ مُرَتَّبٌ عَلَى عَمَلِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ مُوصٍ أَوْ وَاقِفٌ بِإِهْدَاءِ الثَّوَابِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْوَقْفُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُوجَدَ مَا أَرَادَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إهْدَاءُ مِثْلِ الثَّوَابِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ مَا قَرَأْته إلَى فُلَانٍ.

(وَسُئِلَ) كَيْفَ الطَّرِيقُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ اهـ.

، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَك عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَصِيَّةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِوَقْفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(سُئِلْت) عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ ضَيْعَتَهُ نَاجِزًا وَأَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَنْفِعُ بِهَا وَبِغَلَّتِهَا حِينَئِذٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ آخَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقِفَهَا؟ (فَأَجَبْت) نَعَمْ ذَلِكَ مِنْ حِيلَةٍ، بَلْ أَحْسَنُهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا فِيهَا خِلَافٌ قَوِيٌّ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ مَنْ تَعَقَّبَ ابْنَ الصَّلَاحِ فِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحِيَلِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّهَا مُتَعَقَّبَةٌ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَانَهُنَّ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ نَاسًا مِنْ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّ الْوَاقِفِ وَقُرْبِ أَجَلِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْإِنَاثُ بِانْقِطَاعِهِنَّ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَتَفَضَّلُوا عَلَيْنَا بِبَيَانِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ صَدَرَ ذَلِكَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْبَنَاتُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدَدْنَهُ بَطَلَ وَإِنْ صَدَرَ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ، وَإِنْ قَصَدَ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ صَحَّ وَغَايَةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ إثْمًا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَوْصَى شَخْصًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ مَالِهِ الْمَفْسُوحِ لَهُ فِيهِ شَرْعًا مَحَلًّا يَكُونُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا وَأَنْ يَكُونَ نَاظِرًا عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِهِ وَعَيَّنَ الْمَالَ فَهَلْ لِلشَّخْصِ أَخْذُ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَالشِّرَاءُ بِهِ مَحَلًّا يَجْعَلُهُ رِبَاطًا أَوْ مَسْجِدًا كَمَا أَوْصَى بِهِ؟ فَإِذَا اشْتَرَى وَوَقَفَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوصِي فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُسْكِنَ الْقَاطِنِينَ بِبَلَدِ الرِّبَاطِ أَوْ الْأَفَّاقِيَّةِ، وَإِذَا شَرَطَ شُرُوطًا خِلَافَ الْأَصْلَحِ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا أَصْلًا؟

(فَأَجَابَ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ مَحَلًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا كَمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَ الرِّبَاطَ الْأَحْوَجَ مِنْ الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِشُرُوطِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالْأَوْلَى فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ اهـ.

(وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ فُلَانٌ وَالْعُرْفُ عِنْدَ قَائِلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا عَلَى غَيْرِ فُلَانٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَيُمْنَعَ مِنْهُ فُلَانٌ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الْعُرْفِ؟ (فَأَجَبْت) لَا يُعْمَلُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعُرْفِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ أَنَّهُ حَبْسٌ عَلَيْهِ وَيُلْغَى عُرْفُهُ أَنَّهُ حَبَسَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ وَمَأْخَذُ مَا ذَكَرْته الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015