بِحِصَّةِ النَّاظِرِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَقْفِ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ وَتَمْضِي عَلَى الْبُطُونِ بَعْدَهُ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَمَا حَرَّرْته، وَأَطْلَقْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) إنْسَانٌ وَقَفَ دَارًا عَلَى وَالِدَتِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَلَدِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَصِيِّهِ لِيَنْتَفِعَ كُلٌّ بِمَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ لِلنَّاظِرِ عَلَى تَرِكَتِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ رِيعِ الْأَوْقَافِ الْمَذْكُورَةِ ثَلَاثُونَ أَشَرَفِيًّا يُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَى الدُّورِ الثَّلَاثَةِ بِنِسْبَةِ رِيعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَجْمُوعِ رِيعِهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُوصِي سَكَنَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَجَّرْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ أَوْ لَا؟ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الرِّيعِ وَلَمْ يُوجَدْ رِيعٌ لِعَدَمِ إيجَارِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: بِاسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا بِالتَّوْزِيعِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَهَلْ يَغْرَمُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ جُنْحَةً فِيهِ أَوْ لَا؟ (الْجَوَابُ) يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ بِالتَّوْزِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرِّيعِ إلَّا مُقَابِلَ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مَا ذُكِرَ لِلنَّاظِرِ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ حِصَّةِ دَارَيْ الْوَالِدَةِ وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ غُرْمُهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِثْمِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ جُنْحَةٌ فِيهِ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ هُوَ مَالُ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَيْضًا شَرْطَ الْوَاقِفِ وَحُكْمَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا عَلِمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَثِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ جُنْحَةً فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَهَا أَوْ أَحَدَهَا فَلَا إثْمَ وَلَا جُنْحَةَ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى نَظِيرِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ يُعْذَرُ بِجَهْلِ مِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ.
(مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى جَمَاعَةٍ فَحَصَلَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ نَحْوَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَعَ إمْكَانِ إصْلَاحِهِ بِأُجْرَةِ خَمْسِ سِنِينَ هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ؟ .
(الْجَوَابُ) لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ لِأُجْرَتِهِ فِي الْعِمَارَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُتَعَدٍّ فَيَنْعَزِلُ عَنْ النَّظَرِ فَتَبْطُلُ إجَارَتُهُ مِنْ أَصْلِهَا.
(مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ يُصْرَفُ رِيعُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَوْ حَبًّا أَوْ تَمْرًا عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ الْمَارِّينَ مَحَلَّ كَذَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ فَهَلْ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْوَارِدِينَ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ تَكَرَّرُوا وَمَاذَا يُدْفَعُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَمَا قَدْرُ الزَّمَنِ الَّذِي يَتَقَيَّدُ بِهِ الْوُرُودُ؟ (الْجَوَابُ) قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابَيْ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَارِدِينَ بِمَحَلِّ كَذَا لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إلَّا إنْ انْحَصَرُوا وَوَفَّى بِهِمْ رِيعُ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَاتِهِمْ شَيْءٌ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى بَعْضِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْحَصَرُوا لَزِمَهُ الصَّرْفُ لِجَمِيعِهِمْ إنْ وَفَّى بِهِمْ الرِّيعُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ يَفِي بِهِ وَمَا دَامَ عِنْدَ النَّاظِرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّيعِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ لِلْوَارِدِينَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَخُصُّ الصَّرْفَ بِوَارِدِينَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامٌ الْوَاقِفِ مِنْ عَدَمِ التَّحْصِيصِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هُوَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا بِشُرُوطِهِ يُسَمَّى وَارِدًا وَمَارًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لِنَحْوِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَامِلَةٍ أَوْ لِنِيَّةِ إقَامَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مُقِيمًا لَا وَارِدًا وَلَا مَارًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلْت) عَمَّنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَضَيْعَتِي الْفُلَانِيَّةُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِي وَيُهْدِي ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ إلَيَّ هَلْ يَصِحُّ وَقْفًا وَإِذَا صَحَّ فَكَمْ يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْقَارِئُ وَلَوْ ازْدَحِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَبْت) بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَرْجِعْ وَخَرَجَتْ تِلْكَ الضَّيْعَةُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ إنْ عُرِفَ قَبْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بَعْضُهَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَذَلِكَ، وَمَنْ قَرَّرَهُ وَصِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفُ بَلَدِ الْمُوصِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَشْرُوطِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقِرَاءَةِ