وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمُوصِيَ ثَمَّ فَوَّضَ لِنَائِبِهِ الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ، وَالْوَاقِفُ فِي صُورَتِنَا لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي صُورَتِنَا وَأَخْذُهُ لَهُ يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَ الْغَلَّةِ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ وَسُومِحَ فِيهِ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ لَا تَكُونُ مِنْ مَعْدُومٍ ثُمَّ إذَا عَزَلَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً كَأَنْ قَالَ: جَعَلْتُ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَهَا اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اهـ.
وَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقَّهُ النَّاظِرُ، وَإِنْ انْعَزَلَ عَنْ النَّظَرِ وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى النَّاظِرِ الْعَامِّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيُعْطِيَهُ مَا شُرِطَ لَهُ وَهُوَ الْأَكْلُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كِفَايَتُهُ اللَّائِقَةُ بِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَلَيْسَ لَهُ إطْعَامُ مُمَوِّنِهِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَقْفِ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مُؤَدَّى الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَمُؤَدَّى مَا فِي السُّؤَالِ أَكْلُهُ وَحْدَهُ فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِ غَيْرِهِ وَكِسْوَتِهِ هُوَ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفُ قَوْمٍ مِنْهُمْ الْوَاقِفَ فِي زَمَنه وَعُلِمَ بِهِ بِأَنْ يُعَبِّرُوا بِالْأَكْلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَمَّا يَشْمَلُ الْكِسْوَةَ وَمُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نُزِّلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامٌ الْإِمَامَيْنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ الصَّلَاحِ.
وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ النَّاظِرِ لِقَوْلِهِمْ مِنْ وَظَائِفِهِ جَمْعُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ النَّاظِرَ لَا يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، قَوْلُهُمْ يَمْتَنِعُ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَعَدُّوا مِنْهَا السَّاعِيَ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَقِيَاسُهُ النَّاظِرُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُتَصَرِّفٌ عَلَى الْغَيْرِ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّاعِي خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي النَّاظِرِ وَهُوَ أَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِامْتِنَاعِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ بِخِلَافِ النَّاظِرِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ خَاصٌّ عَنْ شَخْصٍ خَاصٍّ هُوَ الْوَاقِفُ مَثَلًا أَوْ حَاكِمُ بَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ؛ لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا السَّاعِي فَلَمْ تَخْتَلِفْ الْجِهَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ قَبْضِهِ وَإِقْبَاضِهِ إنَّمَا هُوَ بِجِهَةِ السِّعَايَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ لِمُمَيِّزٍ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ أَخَذَ مِنْ إفْتَاءِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إذَا تَبَرَّمَ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا يُقَرِّرُهُ لَهُ الْحَاكِمُ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: بِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فِي الْوَلِيِّ، وَمِثْلُهُ النَّاظِرُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ قِيَاسَ النَّاظِرِ عَلَى الْوَلِيِّ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَبِأَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا مُنَازَعَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذَا فَإِنِّي رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت: وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَقَالَ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ وَمَالَ إلَيْهِ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَقْتَرِضُ دُونَ وَلِيِّ الْحَاكِمِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّاظِرَ يُضَيِّقُ فِيهِ بِمَا لَا يُضَيِّقُ بِهِ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ اهـ.
وَمِمَّا يُقَوِّي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ مَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّاعِي وَالنَّاظِرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ كَالسَّاعِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَائِبُ الشَّرْعِ فَجَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ لِمَا مَرَّ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ النَّاظِرُ أُجْرَةً مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ احْتَاجَ لِلْأَخْذِ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَلَا يَأْخُذُ كَذَلِكَ بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَالنَّاظِرُ نَائِبٌ عَنْ الْوَاقِفِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ وَقَفَ نَخْلًا مَثَلًا أَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى أَنْ تُبَاعَ غَلَّتُهُ وَيُسَبَّلُ مِنْهَا كُلَّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ قِرْبَةُ مَاءٍ وَيُسْرَجَ مِنْهُ سِرَاجٌ بِاللَّيْلِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْقَيِّمَ بِذَلِكَ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ