لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالُوا: لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ حَالَ الْحَلِفِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْته، إذْ الْيَمِينُ وَالْوَقْفُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُشْرِ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ مِنْهَا مَثَلًا جَازَ صَرْفُ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْيِينَ وَالِانْحِصَارَ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا يَشْمَلُ الْحَادِثَ كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا يُسَمَّيَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَسْجِدُ كَذَا أَوْ الْمَسْجِدُ الْفُلَانِيُّ فَيَتَنَاوَلُهُمَا لَفْظُهُ وَمَعَ تَنَاوُلِهِ لَهُمَا لَا نَظَرَ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا إلَّا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي اللَّفْظِ مَا يُخَالِفُهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ اتِّحَادِ الْوَقْفِ وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ حَنِثَ بِالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُشِرْ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا فَحَنِثَ بِهَا كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ شَامِلٌ لَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ شُمُولُ اللَّفْظِ لَهُمَا فِي الْأَيْمَانِ ثَبَتَ شُمُولُهُ لَهُمَا فِي الْوَقْفِ لِاتِّحَادِهِمَا فِيمَا مَرَّ وَكَالْإِضَافَةِ فِي هَذَا الْمَعْرِفَةُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ بِجَامِعِ شُمُولِ اللَّفْظِ فِيهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا» إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ تَعُمُّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ فِيهِ أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَلْفَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَبِهَا يُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ فَلْيَتَسَاوَيَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْذًا مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ كَالْمُضَافِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِعُمُومِ الْمُضَاعَفَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِزِيَادَاتِهِ مَعَ وُرُودِ التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْكَعْبَةِ فَلَوْ افْتَرَقَا لَقَالُوا بِافْتِرَاقِ الْحُكْمِ عَمَلًا بِافْتِرَاقِهِمَا فَلَمَّا قَالُوا بِاتِّحَادِهِ مَعَ وُرُودِهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِمَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ الْمَذْكُورِ الْأَكْلَ مِنْهُ وَقَضَاءَ دُيُونِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ أَوْ لَا فَيَصِحُّ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ الْأَخْذُ وَالِاسْتِقْلَالُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَكَمْ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهَا وَبَيْنَ الْجِهَةِ وَالْمُعَيَّنِ؟
(فَأَجَابَ) يَصِحُّ الْوَقْفُ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّاظِرِ سَوَاءٌ أَتَى بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَوْ بِمَا يُفْهِمُ الشَّرْطِيَّةَ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ تَصِحُّ شُرُوطُ الْوَاقِفِ وَيُعْمَلُ بِهَا مَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ شَرْطِ أَكْلِ النَّاظِرِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ لَا يُخَالِفُهُ بَلْ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ لِلنَّاظِرِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ مِنْ صَدَقَاتِ إطْلَاقِهِمْ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْوَكِيلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَالْوَكِيلُ لَوْ قَالَ لَهُ مُوَكِّلُهُ أَعْطِ هَذَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ فِي نَفْسِك فَافْعَلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ إعْطَاءُ نَفْسِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ نَازَعَهُمَا فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَنْعُ فِي النَّاظِرِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إعْطَاءُ نَفْسِهِ مَعَ النَّصِّ لَهُ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى تَوَلِّي الْأَخْذَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّاظِرِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ