عِنْدَ الْحَاكِمِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمَا بِفِعْلٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ يُلْزِمُ النَّاظِرَ بِفِعْلِ مَا فِيهِ الْأَصْلَحُ مِنْ إسْكَانِ طَالِبِ السُّكْنَى وَالْإِيجَارِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ كَصُورَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي قَالَا فِيهَا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ يُؤَجِّرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ ثَمَّ يَنْحَصِرُ فِيهِ فَأَجَّرَ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ وَهُنَا الْأَمْرُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّاظِرُ فَأَلْزَمَهُ بِمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ عَلَى أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ أَجَّرَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْإِعْرَاضُ وَقَضِيَّةُ مَا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَعْرَضَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ، بَلْ لَهُ الْإِيجَارُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا بِالْقَلْعِ فَكَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْوُصُولِ إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَنْحَصِرْ الْأَمْرُ فِي الْحَاكِمِ فَإِذَا أَعْرَضَ فِي صُورَةِ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِغْلَالُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لِشُيُوعِهِ فَانْحَصَرَ الْفَصْلُ فِي الْحَاكِمِ فَلَزِمَهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْإِيجَارِ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْمِلْكِ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ يُعْلَمُ بِهِ بَقَاءُ مَا فِي كُلِّ بَابٍ عَلَى حُكْمِهِ الْمُقَرَّرِ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَجَعَلَ عَلَيْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا طَعَامًا فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ يَكُونُ لَهُ ثُمَّ لِمَنْ لَهُ النَّظَرُ مِنْ بَعْدِهِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَسْجِدٍ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا جُزْءًا، فَإِنْ كَانَ لَا فِي مُقَابِلَةِ نَظَرِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ النَّظَرُ لِنَفْسِهِ بِبَعْضِ الْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الَّذِي شَرَطَهُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا بِشُرُوطٍ مِنْهَا أَنْ يُدْفَعَ مِنْ رِيعِهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَشْرَةٌ أَشَرَفِيَّةٌ جُعْلًا لِمَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَيُهْدِيهِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ ثُمَّ قَرَّرَ الْوَاقِفُ بِمُقْتَضَى أَنَّ لَهُ النَّظَرَ شَخْصًا وَأَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا التَّقْرِيرُ؟ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ، وَلَوْ نَازَعَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُهْدِ مِنْ الْمُصَدَّقِ، إذْ الْإِهْدَاءُ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) التَّقْرِيرُ صَحِيحٌ لِلْمُقْرِئِ الْأَوَّلِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ فَيَسْتَحِقُّ مَا شَرَطَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ عَزْلُ مَنْ صَحَّ تَقْرِيرُهُ إلَّا لِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْجَعَالَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَالْإِهْدَاءِ الْمَشْرُوطَيْنِ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْإِهْدَاءِ؛ لِأَنَّهُ الدُّعَاءُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ ثُمَّ أُحْدِثَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ زِيَادَةٌ فَهَلْ يُصْرَفُ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ وَلِلرَّافِعِيِّ كَلَامٌ فِي بَابِ الْإِيمَانِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ؟
(فَأَجَابَ) الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى شَيْءٍ تَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ وَحُضُورَهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ مَوْجُودٌ لِلْوَقْفِ بِالنَّصِّ مِنْ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ دُونَ الْحَادِثِ فِيهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْدِثُ لِذَلِكَ مِثْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: هَذَا مَا زِيدَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ فَلَا تَضْعِيفَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ.
، وَأَمَّا مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى النَّوَوِيِّ مِنْ الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ وَأَحَادِيثَ تَقْتَضِي عُمُومَ الْمُضَاعَفَةِ لِلزِّيَادَةِ وَأَطَالُوا فِي ذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ فَقَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْهِمْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَمْ تَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فَعَمِلْنَا بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ مِنْ أَنَّهُ