حِفْظُهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى اهـ.
فَافْهَمْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ لَا يُنْقَضُ، وَإِنْ عُمِّرَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا خَرِبَ وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِ نَقْضِهِ إلَى غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ النَّقْضِ فَإِذَا نُقِلَ إلَيْهِ وَبُنِيَ بِهِ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ هَدْمُهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ لَوْ رَدَّ الْوَقْفَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَلَوْ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرَّادَّ مُقَصِّرٌ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي الرَّدِّ كَانَ يَظُنّ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ، وَإِنْ رَجَعَ وَقَالَ: كُنْتُ مَعْذُورًا وَبَيَّنَ عُذْرَهُ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ، فَإِنْ قُلْتَ: يُؤَيِّدُ النَّقْلَ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَأَرَامِلِ بَنَاتِهِ اسْتَحَقُّوا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعَدَمُ التَّزَوُّجِ وَمُنِعُوا عِنْدَ عَدَمِهِ بِأَنْ وُجِدَ الْغِنَى أَوْ التَّزَوُّجِ، وَهَكَذَا مَتَى وُجِدَ عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ وَمَتَى انْتَفَى انْتَفَى قُلْتُ: الْمَلْحَظُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ هُنَا النَّظَرُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ عَمَلًا بِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهَا شَرْطُ وَاقِفٍ يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ فَأُدِيرَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ وَيُقْضَى بِالْوَفَاءِ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَاقِفَ النَّقْضِ لَيْسَ قَصْدُهُ تَخْصِيصَ مَحَلٍّ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْضُهُ بِمَسْجِدٍ، سَوَاءٌ الَّذِي عَيَّنَهُ أَمْ غَيْرُهُ فَحَيْثُ خَرِبَ مَا عَيَّنَهُ وَنُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهِ فَقَدْ وَفَّى بِمَقْصُودِهِ فَإِذَا عَادَ مَا عَيَّنَهُ لَا يَعُودُ النَّقْضُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْعَوْدِ إلَّا التَّوْفِيَةُ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِبِنَاءِ نَقْضِهِ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ فَرْقُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْإِعْطَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحِرْمَانَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ مِنْهُنَّ فَتَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهَا بِطَلَاقِهَا وَفَقْرِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إنْ بَقِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يَخْلُفُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَفِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ رِعَايَةِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ عَوْدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ تَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صُرِفَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا قُرْبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُتَّجَهُ إنْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ، وَقَضِيَّةُ عَوْدِ الْغَلَّةِ بِعَوْدِ الْعِمَارَةِ أَنَّ النَّقْضَ يَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَوْدَ الْغَلَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ عَوْدِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ وَهُوَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ الثَّانِي وَكَيْفَ يُهْدَمُ عَامِرٌ وُضِعَ فِيهِ ذَلِكَ النَّقْضُ بِحَقٍّ لِرَجَاءِ عِمَارَةِ خَرَابٍ زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ النَّقْضِ بِحَقٍّ لِخَرَابِهِ فَمَنْ أَرَادَ عِمَارَتَهُ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَمِّرَهُ كَامِلًا وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ وَكَوْنُكَ تُعَمِّرُ فِيهِ الْبَعْضَ وَتُرِيدُ هَدْمَ مَسْجِدٍ كَامِلٍ لِتَوْفِيَةِ بَعْضِ مَسْجِدٍ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الضَّرَرِ وَهُوَ عَدَمُ تَوْفِيَةِ الْأَوَّلِ لَا يُزَالُ بِكَثِيرِ الضَّرَرِ وَهُوَ خَرَابُ الثَّانِي هَذَا مَا يُتَّجَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ جَمَاعَةٍ شُرَكَاءَ فِي وَظِيفَةٍ ثُمَّ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحَدِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُ غَابَ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الْوَظِيفَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ إنَّ الشُّرَكَاءَ طَلَبُوا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَحَلِّ فِي أَنْ يَكُونُوا مُبَاشِرِينَ لِلْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ مُدَّةَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ الْمَعْلُومَ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْإِشْهَادَ بِذَلِكَ حَسْبَ الْعَوَائِدِ الْقَدِيمَةِ ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْمَعْلُومِ لِمُسْتَحِقِّيهِ فَهَلْ يَكُونُ عَدَمُ إجَابَتِهِمْ تَقْصِيرًا مِنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّ أَهْلُ الْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا