بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنَا يَوْمًا مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ هُوَ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً وَالثَّانِيَةَ وَقَعَتْ مُنَاقِضَةً لَهَا فَعُمِلَ بِالْأُولَى لِسَبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِحِصَّتِهَا قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ فَكَذَلِكَ يُعْمَلُ هُنَا إذَا فُرِضَ فَقْدُ تِلْكَ الْقَرَائِنِ بِالْأُولَى لِسِبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالثَّانِي.
فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهِ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ أَوَّلًا مَا يُبْطِلُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْكَمُ بِمَدْلُولِ قَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَيُلْغَى قَوْلُهُ: وَآلِ فُلَانٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الْمُنَاقَضَةُ كَمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ تَصْحِيحُ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّكَلُّفِ جَمِيعِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقَفَ هَذَا عَلَى أَوْلَادِهِ لِيُعِينُوا بِهِ آلَ فُلَانٍ إذَا قَامَ آلُ فُلَانٍ بِضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِهَا وَقَامَ بِهَا غَيْرُهُمْ فَهِيَ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ قَامُوا بِهَا وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ: عَلَى أَوْلَادِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ يَكُونُ لِلْأَوْلَادِ وَيَصِيرُ الْوَقْفُ عَلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِلنَّاسِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُوجَدُوا وَامْتَنَعُوا كَانَ عَلَى مَنْ قَامَ بِالضِّيَافَةِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ كَانَ عَلَى الْأَوْلَادِ يَأْكُلُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ أَحَدٍ قُلْتُ: نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ جَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ بَعْضِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ بَلْ ظُهُورهِ فَانٍ الْغَالِبَ أَنَّ الشَّخْصَ يُشَدِّدُ فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ بِمَا لَا يُشَدِّدُ بِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِهِ إلَّا عَدَمَ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ غَيْرَهُمْ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ اسْتَحَقُّوهَا وَإِنْ لَمْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ السَّائِلُ، وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ إلَخْ فَأَشْعَرَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مَوْضُوعًا فِي عُرْفِ تِلْكَ الْبِلَادِ لِلضِّيَافَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِبَادِئِ الرَّأْي؟
قُلْتُ: إنَّمَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَضْعِهِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي حَمْلُهُ عَلَى وَضْعِهِ الْعُرْفِيِّ إنْ كَانَ عَامًّا وَالْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ، وَإِلَّا فَوَضْعُهُ الْعُرْفِيُّ عِنْدَ الْوَاقِفِ، فَإِنْ انْتَفَى الْعُرْفُ بِقِسْمَيْهِ حُمِلَ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ إنْ أَمْكَنَ أَنَّ الْوَاقِفَ يَعْرِفُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ قَبْرِهِ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الْغَيْبَةِ إنْ عُهِدَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِ حَمْلُهُ عَلَى الضِّيَافَةِ تَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ حُمِلَ عَلَيْهِ بِبَادِي الرَّأْيِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذَا الْحَمْلِ بَلْ إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ لُغَةً وَعُرْفًا حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ خَشَبٍ عَلَى خَابِيَةٍ مَوْقُوفَةٍ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ بَيْعَهُ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْخَابِيَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ فُرِضَ جَوَازُ بَيْعِ الْخَشَبِ الْمَذْكُورِ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ لَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ مَسْجِدِ السَّقْفِ مَا عُيِّنَ لِحَشِيشِ الْحُصْرِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا لِلُّبُودِ مَا عُيِّنَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا عَكْسُهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ لَمْ يُنْقَضْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى نَقْضِهِ وَإِلَا نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا حَفِظَهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِنِقْضَيْهِ بِئْرًا كَمَا أَنَّ الْبِئْرَ لَوْ خَرِبَتْ بَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهَا بِئْرًا أُخْرَى لَا مَسْجِدًا وَيُرَاعَى غَرَضُ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ اهـ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخَابِيَةِ عَامِرًا أَوْ خَرَابًا أَمَّا إذَا كَانَ عَامِرًا فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ غَلَّتُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَابًا بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنَّهُ يُحْفَظُ غَلَّةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ لَا يَبْطُلُ وَقْفُهُ قَالُوا:؛ لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كَمَا كَانَ وَكَمَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الثَّغْرِ إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ يَحْفَظُهَا نَاظِرُهُ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ؛ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ نُقِلَ خَشَبُ مَسْجِدٍ خَرَابٍ بِشَرْطِهِ لِمَسْجِدٍ أَقْرَبَ إلَيْهِ فَعُمِّرَ بِهِ ثُمَّ عُمِّرَتْ مَحَلَّةُ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ وَالْمَسْجِدُ فَهَلْ يُرَدُّ خَشَبُهُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَشَبَ الْمَذْكُورَ لَا يُرَدُّ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَخَافَ عَلَى نَقْضِهِ نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا