الْوَاقِفَ أَنَاطَهُ بِصِفَةٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ، وَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: فَرِّقْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ لِكُلِّ مُتَّصِفٍ بِالْفَقْرِ وَالْخَوْفِ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ بِإِنَاطَةِ الْإِعْطَاءِ بِالْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ: تَصَدَّقْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلَ فُلَانٍ وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِالْغَيْبَةِ وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ ضِيَافَةُ مَنْ ذُكِرَ، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَصَدِّقُ إرْفَاقَ الْقَائِمِ بِهَذِهِ الْمَكْرُمَةِ وَالْحَثَّ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يُخِلُّ بِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ إلَخْ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ أَنَّ آلَ فُلَان يَسْتَعِينُونَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ عَنْ ضِيَافَتِهِمْ نَاقَضَهُ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ أَوْلَادَهُ يَسْتَعِينُونَ فِي ضِيَافَتِهِمْ لِآلِ فُلَانٍ نَاقَضَهُ: وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ مُضِيفُونَ لَا أَضْيَافٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِآلِ فُلَانٍ نَفْسَ أَوْلَادِهِ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَصِحُّ اتِّصَافُ أَوْلَادِهِ بِهِ صَحَّ الْمُرَادُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فِي ضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ إنْ قَامُوا بِهَا فَهِيَ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَحِكْمَةُ كَوْنِهِ عَدَلَ عَلَى ضِيَافَتِهِمْ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ السِّيَاقِ إلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِيُبَيِّنَّ شُهْرَةَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْإِضْمَارِ إلَى الْإِظْهَارِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حِكْمَةٍ.
وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَالْحُكْمُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ أَوْلَادَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ هَذِهِ الْأَرْضَ إلَّا مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِالضِّيَافَةِ وَإِنْ كَانَ مَنْ قَامَ بِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَإِنْ سَاوَتْ مُؤَنَ الضِّيَافَةِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِيهَا، وَإِنْ زَادَتْ اسْتَحَقَّ الْقَائِمُ بِالضِّيَافَةِ الزَّائِدَ، فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا أَتَى الْوَاقِفُ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي وَاقِفَةٍ كَتَبَتْ فِي كِتَابِ وَقْفِهَا وَجَعَلْت النَّظَرَ إلَى أَنْ قَالَتْ: لِنَفْسِهَا أَيَّامَ حَيَاتِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ هَذِهِ عِبَارَتُهَا هَلْ نُدْخِلُ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأَوْلَادِ؟ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي النَّظَرِ الْأَرْشَدُ فَالْأَرْشَدُ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا كُتِبَ مِنْ قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوٌ مِنْ الْمُوَثِّقِ فَإِنَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فَذَكَرَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوًا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ عَاقِلًا لَا يَمْنَعُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مِنْ النَّظَرِ وَيُعْطِي النَّظَرَ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَيَمْنَعُ الْعَالِيَ وَيُعْطِي النَّازِلَ، وَيَمْنَعُ الْأَصْلَ وَيُعْطِي الْفَرْعَ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا كَتَبَ قَبْلَهُ بِسُطُورٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَوْلَادِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مِنْهُمْ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسَبْنَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ ثُمَّ قَالَ: وَالْجُمُودُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا كَتَبَ وَظَهَرَ أَنَّهُ سَهْوٌ بِمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ خُرُوجٌ مِنْ طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الْغَائِصِينَ عَلَى الْجَوَاهِرِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ.
، فَإِنْ قُلْت: فَمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى السِّيَاقِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ هُنَا قُلْت هُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ الَّذِي قَدَّمْته؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَنَافٍ فِي اللَّفْظِ وَلَا تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقَيَّد لِذَلِكَ مَكْتُوبَ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الْغَلَطِ أَوْ السَّهْوِ مِنْ الْمُوَثِّقِ بِخِلَافِ مَا إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ هَذَا اللَّفْظُ قُلْت لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُوَثِّقِ بِهَذَا، بَلْ إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ كَلِمَاتٌ مُتَنَاقِضَةٌ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ فِي بَعْضِهَا وَرَجَّحْنَا مُقَابِلَهُ وَعَمِلْنَا بِهِ بِقَرَائِنَ لَفْظِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ فُقِدَتْ تِلْكَ الْقَرَائِنُ مَا حُكْمُهُ؟ بِأَنْ قَالَ هُنَا عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَذَكَرَ وَصْفًا لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَلْ عَلَى أُنَاسٍ مَشْهُورِينَ غَيْرِهِمْ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّنَا نَعْمَلُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِسَبَقِهِ وَنُلْغِي مَا حَصَلَ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنْ اللَّفْظِ الثَّانِي وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّح