وَعَلَى مَا فِيهِ لَا سِيَّمَا بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَعْلُومِهِ؟

فَأَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهُ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهَذَا مَرَّاتٍ وَاسْتَشْهَدْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَضِيَّةِ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى بِعُذْرٍ.

وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ بِالْفِدْيَةِ وَهُوَ اسْتِشْهَادٌ حَسَنٌ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا: الْوَرْدُ شَرْطٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمَبِيتَ يُحْمَلُ عَلَى مُعْظَمِ اللَّيْلِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْوُرُودُ فِي ذَلِكَ؟ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِدُ إلَّا إلَّا مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ يُغَرَّمُ مَا تَعَاطَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ يُكْتَفَى بِمُكْثِهِ فِيهِ حَتَّى يَأْكُلَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لِلْوُرُودِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ حُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ كَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لَحْظَةً وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يُصْرَفَ مِنْ مُغَلِّهِ لِمَنْ يَبِيتُ بِمَوْضِعِ كَذَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بَعْدَ الْأَكْلِ؟ وَإِذَا لَمْ يَبِيت يَضْمَنُ النَّاظِرُ وَهَلْ يَجِبُ مَبِيتُ اللَّيْلِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ؟ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَبِيتُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَبِتْ غَرِمَ مَا أَكَلَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا أَخَذَ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لَكِنْ أَنَّ لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ، وَيَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ كَمَنْ حَلَفَ لَيَبِيتَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَوْضِعِ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَوَسُّطِهِ وَفِي تَعْزِيمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَبِتْ نَظَرٌ إذَا كَانَ عِنْدَ الْأَكْلِ عَازِمًا عَلَى الْمَبِيتِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ السَّفَرُ مَعَ رِفْقَةٍ تَرْحَلُ أَوْ لِعُذْرٍ طَرَأَ إذْ الْوَاقِفُ لَا غَرَضَ لَهُ وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْمَبِيتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْوَاقِعُ أَوْ الْغَالِبُ مِنْ أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا قَدِمَ إلَى رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَأَمْسَى بِهِ أَنَّهُ يَبِيتُ بِهِ وَيَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَبِيتَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُتَّجَهٌ أَنَّ اطَّرَدَ الْعُرْفِ حَالَ الْوَقْفِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ تَصَدَّقْت بِهَذَا عَلَى الْفُطُورِ أَوْ الْوَارِدِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَكَان يُفْطِرُ فِيهِ وَمَكَانٍ يَرِدُ فِيهِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ أَوْ لَمْ تَجْرِ مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ وَهَلْ إذَا قُلْتُمْ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِمَا أَوْ يُفْطِرَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ الْوَقْفِ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ حُمِلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ وَقْفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي وَقْفِهِ فَلَا يُعْطَى إلَّا مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ بَطَلَ الْوَقْفُ.

وَقَوْلُهُمْ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَبْرُهُ بَطَلَ الْوَقْفُ وَعَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَصْلَحَةِ الْبِلَادِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبِلَادُ مُعَيَّنَةً مُسَبَّلَةً، وَإِلَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذِهِ مُدَّةً عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ عَلَى بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَا تُحْصَى أَهْلُهُ كَثْرَةً كَبَغْدَادَ لَمْ يَجُزْ وَلَا عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَلَا عَلَى مَنْ وُلِدَ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَا عَلَى مَنْ افْتَقَرَ وَلَا عَلَى مَنْ قَدِمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْفُطُورِ أَوْ عَلَى الْوَارِدِ لَا إيهَامَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيهَامٌ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ هُنَا عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْجَهْلُ فِيهَا بِالْمَكَانِ لَا يَضُرُّ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَمَّ لَيْسَ عَلَى جِهَةٍ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالشَّخْصِ أَوْ بِالْوَصْفِ الْمُمَيِّزِ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَسْجِدِ وَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ فَلِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015