وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمَنْ فِيهَا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ وَالرُّؤْيَةَ وَغَيْر ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الطَّرِيقَيْنِ بِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ وَبَابُهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَالْحُكْمُ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا حُكْمُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَبْوَابهَا مُغْلَقَةً عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ مُفَتَّحَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسَاجِد بُنِيَتْ مَعَ الْجَامِعِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ مَعَهُ فَهِيَ مِنْ الْجَامِعِ، وَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ بَعْدَهُ فَقَدْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَهِيَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ مَلْحَظُ مَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ مَلْحَظِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَحُرْمَةِ الْمُكْثِ عَلَى الْجُنُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَهَذِهِ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالزِّيَادَةِ وَالرَّحَبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَهُمَا فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُسَمَّى مَسْجِدًا وَمَا يَلْحَقُ بِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَالْحُكْمُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاقِفَ قَصَرَ الِاسْتِحْقَاقَ لِوَقْفِهِ عَلَى الْوُرُودِ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ لَمْ يَرِدْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ، وَقَصْرُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ فَمِنْ ثَمَّ نَظَرْنَا لِلَّفْظِ وَقُلْنَا: إنْ كَانَ فِيهِ إشَارَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا دَخَلَتْ عَمَلًا بِمَدْلُولِ اللَّفْظِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أُعْطِيت أَحْكَامَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَلْحَظَ آخَرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَاتِهِ وَمَدَدِهِ وَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ كَبِئْرِ عُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَلَهُ صَدَقَة عَلَى رِشَاهُ فَعُمِّقَ إلَى ثَلَاثِينَ؟ .
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى رِشَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ رِشَاءَ الْبِئْرِ لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا انْحِصَار فَإِنَّهُ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ بِحَسْبِ قِلَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ تَارَةً وَكَثْرَتِهَا أُخْرَى فَلِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ لَيْسَ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا قَصْده أَنْ يُصْرَفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِرِشَاءِ هَذِهِ الْبِئْرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ أَمْ قَصُرَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ نَقُلْ بِتَخْصِيصِهِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وُرُودِ هَذَا الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ أَنَّ النَّاسَ يَكْثُر وِرْدُهُمْ لَهُ حَتَّى يَزِيدَ ثَوَابُهُ بِزِيَادَتِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَخْصِيصِهِ الْوَرْدِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ بِنَاءَهُ أَوْ بِنَاءَ صَدِيقِهِ أَوْ مَنْ يُرِيدُ إيصَالَ خَيْرٍ لَهُ بِكَثْرَةِ صَلَاةِ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَغْرَاضٌ تُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَقَصْدُهَا بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ غَرَضٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَلْبَتَّةَ فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عَادَةً فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُخَصِّصُ الشَّرْطَ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُعَمِّمُهُ عَلَى أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نُخْرِجْ لَفْظَ الْوَاقِفِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى رِشَاءِ هَذَا الْبِئْرِ يَشْمَلُ رِشَاءَهَا وَعُمْقَهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهُ رِشَاءٌ لَهَا فِي الْحَمْلَيْنِ وَوُجُودُ زِيَادَةٍ فِيهِ لِزِيَادَةِ عُمْقِهَا بَعْدَ الْوَقْفِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ الرِّشَاءَ عَنْ كَوْنِهِ رِشَاءَ هَذِهِ الْبِئْرِ بِخِلَافِ وَارِدِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَارِدٌ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لِتَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ عَنْهُ حِسًّا وَمَعْنًى وَقَوْلُكُمْ فِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآنَ رُؤْيَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ قَوْل الْبُلْقِينِيُّ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَبِيتَ فِي خَانِقَاه أَوْ مَدْرَسَةٍ مَثَلًا فَبَاتَ مَنْ شَرَطَ مَبِيتَهُ خَارِجَ الْمَدْرَسَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ أَفْتَيْتُ بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِلْمَعْذُورِينَ بِالدَّمِ وَهُوَ مِنْ الْقِيَاسِ الْحَسَنِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ اهـ.
كَذَا نُقِلَ عَنْهُ وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ وَظِيفَةٌ فِي مَدْرَسَةٍ شَرَطَ وَاقِفُهَا الْبَيَاتَ فِيهَا وَكَذَا إذَا ظَهَرَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوَظِيفَةِ تَزَوَّجَ وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَّا أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ بَيْتِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ