لِلزِّيَادَةِ حَنَثَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الرَّوْضَةِ قُلْت فِي مُوَافَقَتِهِمْ: فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ نَظَرٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدُخُولِهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِين لَمْ يَتَنَاوَلهَا حَالَةَ الْحَلِفِ اهـ.
قَالَ الْإِسْنَوِيّ: وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْث أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا حَالَةَ الْحَلِفِ وَاسْتِشْهَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْتِجْ لَك مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ وَمَسْأَلَةَ الْحَلِفِ وَالثَّوَابِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وُجِدَ فِيهِ التَّلَفُّظُ بِهَذَا الْمَسْجِدِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ فِي تَيْنِك عَمَلًا بِقَوْلِهِ: هَذَا فَكَذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَة الْوَقْف عَمَلًا بِقَوْلِهِ: فِيهَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَارِدُ مَسْجِدِ كَذَا، فَإِنَّ وَارِدَ الزِّيَادَةِ يُسْتَحَقُّ لِمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَدَخَلَ فِي زِيَادَةٍ حَادِثَةٍ فِيهِ حَنَثَ اهـ.
وَأَقَرُّوهُ مَعَ تَضْعِيفِهِمْ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَاقْتَضَى أَنَّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يَتَّضِحُ لَك مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَيَأْتِي فِي إيقَادِ الزِّيَادَةِ وَفَرْشِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَهَا مَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يُصْرَفْ مِنْ صَدَقَتِهِ شَيْءٌ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ تِلْكَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ بَنِي فُلَانٍ صُرِفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ يَجُوزُ بِنَاءُ مَنَارَةٍ لِلْمَسْجِدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَحَلُّهُمَا إنْ جَازَ بِنَاؤُهُمَا بِأَنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إطْلَاقَهُ مَنْعَ بِنَائِهَا بِأَنَّهَا تَشْغَلُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُهَا حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ ضَيَّقَ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ حَرُمَ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَمْ يُضَيِّقْ لَمْ يُكْرَهْ وَعَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ يَجُوزُ شِرَاءُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ أَيْضًا اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ إنْ جَازَ بِنَاءُ الْمَنَارَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ اهـ.
مُلَخَّصًا، فَإِنْ قُلْتَ: فَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُصْرَفُ عَلَى مَصَالِحِهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فَهَلْ يَتَقَيَّدُ الصَّرْفُ عَلَيْهَا؟ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا جَازَتْ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَقَرُّوهُ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُفِيدَ جَوَازَ الصَّرْفِ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَازَتْ قِيَاسًا عَلَى الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ حَرُمَتْ تُسَمَّى مَسْجِدًا فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ فِي اتِّخَاذِهَا بَلْ فِي هَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إطْلَاق لَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا فَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُصْرَفَ عَلَيْهَا مِنْ وَقْفِهِ لِشُمُولِ لَفْظِهِ لَهَا مَعَ عَدَمِ اتِّصَافِهَا بِالْحُرْمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ فَإِنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِمَا فَلَمْ يُمْكِنْ مَعَ ذَلِكَ الصَّرْفُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْفِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّا إنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَى الثَّلَاثَةِ حِينَ تُوجَدُ فَصَلْنَا بَيْنَ جَوَازِ اتِّخَاذِهَا وَعَدَمِهِ وَإِنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَيْهَا بَعْدَ بِنَاءِ الْمَنَارَةِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الزِّيَادَةِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ حَرُمَ اتِّخَاذُهَا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاعِ الْمَسْجِدِ بِهَا كَالصَّرْفِ عَلَى رِشَاءِ الْبِئْرِ وَمُؤَذِّنٍ عَلَى الْمَنَارَةِ أَوْ إيقَادٍ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَعَلَى نَحْوِ حُصْرٍ وَإِيقَادٍ لِلزِّيَادَةِ.
فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فَنَتَجَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا الْمَسْجِد لَا يَشْمَلُهَا وَقَوْلَهُ: مَسْجِدُ كَذَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ يُخَالِفُهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا رَحَبَة الْمَسْجِدِ بِهِ وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْهُ الْمُحَوَّطُ عَلَيْهَا لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ أَبُنِيَتْ مَعَهُ أَمْ لَا فَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهَا عَلَى الْجُنُبِ