فَيُنَزَّلُ عَلَى عَادَتِهِمْ وَعُرْفِهِمْ اهـ.

لَفْظه أَيْضًا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعُرْفِ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَقَرُّوهُ مَا لَفْظُهُ فِي الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ بِهَذَا الْعُرْفِ بِتَخْصِيصِهِ اهـ. وَبِمَا ذَكَرَاهُ فِي ذَلِكَ يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْوُرُود، فَإِنْ قُلْت: مَحَلُّ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصُّ الْوَاقِفُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَوْل الْوَاقِف عَلَى وَارِدِ مَسْجِدٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى الْغَنِيِّ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله وَقَفْته عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَقِيرًا مَثَلًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَلَى وَارِد مَسْجِدِ بَلَدٍ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: بِشَرْطِ وُرُوده مَسْجِدَ كَذَا وَهُوَ إذَا قَالَ هَذَا الْأَخِيرَ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ فَكَيْفَ حَكَّمْتُمْ الْعُرْفَ فِي هَذَا؟ وَلِمَ لَمْ تَقُولُوا حَيْثُ انْتَفَى الْوُرُود لَا اسْتِحْقَاق أَصْلًا؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْن الْوُرُود وَنَحْو الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُرْجَعْ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّر الْمَدْلُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحَمْل عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوُرُود فَإِنَّهُ لَا ضَابِطَ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا مَدْلُولَ لَهُ فِي الشَّرْعِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ فِي الْعُرْفِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا فِي الْوُرُود: إنَّهُ لِلِاشْتِرَاطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَنْ وَرَدَ الْمَسْجِدَ مَا لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.

وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوُرُودَ إلَى الْمَسْجِدِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَارِدِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى نَحْو الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاعْتِكَافِ فَكَذَا يُقَالُ: هُنَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَتَهُ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَعْصِيَةً وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ كَمَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَابِسُ الْخُفِّ الْمُحَرَّمِ لَهُ الْمَسْح بِخِلَافِ مَا إذَا حُرِّمَ لِذَاتِ اللُّبْسِ كَأَنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْح عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِاسْتِبَاحَتِهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْوُرُودِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْوَاقِفَ نَصَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَغَا وَقْفُهُ أَوْ شَرْطه؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى ذِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ اشْتِرَاطِ مَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لَغْوٌ.

ثَانِيهِمَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ وَرَدَ إلَى زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ الْحَادِثَةِ بَعْد الْوَقْفِ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى لَفْظِ الْوَاقِفِ؟ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى وَارِدِ هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَالَ: عَلَى وَارِدِ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا اسْتَحَقَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ هَذَا الْمَسْجِد لَمْ يَتَنَاوَل الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، فَالْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَة حِينَئِذٍ لَمْ يَتَنَاوَلهُ لَفْظُ الْوَاقِفِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَسْجِد بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالِاخْتِصَاصِ بِالْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِ فَاسْتَحَقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ مَسْجِدًا صَارَتْ مِنْ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته وَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَفَادَة مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا» خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُون مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَ حَالَ الْإِشَارَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِجَمْعٍ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ بُيِّنَتْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِك النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى رَدَّهَا، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَاتَّضَحَ بِمَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ الْحَنِيفَةِ فُرُوعًا وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ نَقُولُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015