؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الَّذِي يُنَزَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِنَظِيرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ بَسْطٍ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَوُقِفَ لَهَا شَيْءٌ عَلَى فُقَهَائِهَا وَمُتَفَقِّهِيهَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَا يَحْضُرُ دَرْسَ الْمُدَرِّسِ أَوْ يَحْضُرُ الدَّرْس وَلَا يَحْفَظُ شَيْئًا وَلَا يُطَالِعُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يُلْحَظُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا شُرُوط الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُخِلًّا بِمَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِشَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَطَهُ الْوَاقِفُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَاقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ يَنْتَفِي بِهَذَا الْإِخْلَال أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْوَاقِفُ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ لِتَنَزُّلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا مَنْزِلَة الِاشْتِرَاطِ لَفْظًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَنَعْنِي بِهِ الْعُرْفَ الَّذِي قَارَنَ الْوَقْفَ.

وَكَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَال بِمَا ظَهَرَ اشْتِرَاطُهُ لَفْظًا وَعُرْفًا وَمَا لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فَلَا يَمْنَعنَا مِنْ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَوْنُنَا تَرَدَّدْنَا، وَالْأَصْلُ عَدَمه؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَشَكَكْنَا فِي تَقْيِيده بِشَرْطٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَيْدِ، وَالشَّرْطُ وَالْحُكْمُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ نَفْسه شَاهِدٌ مَسْطُورٌ هَذَا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَا لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى تَرْتِيبٍ أَوْ تَشْرِيكٍ وَتَنَازَعَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَة قَالُوا: يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي التَّرْتِيبِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْآن وَكَذَا الشَّكُّ فِي التَّفْضِيلِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ مَا حُكِمَ لَهُ بِتَنَاوُلِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ سَبَبٌ مُتَحَقِّقٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْلَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ لَا يُتَنَاوَلَ وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أُمُورًا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَقَفْت عَلَى أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا فَهَلْ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْن أَنْ يَكُونَ تَوْصِيَةً وَبَيْن أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطًا؟ وَبَعْد هَذِهِ الْحِيلَةِ فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ يَشْتَغِلُ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَحْضُر الدَّرْسَ لَا يَثْبُت لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُضُورَ الْمُتَفَقِّهِ بِالْمَدْرَسَةِ دُرُوسَ مُدَرِّسهَا هُوَ الْعُرْفُ الْغَالِبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَاقِفِ التَّعَرُّضُ لِإِسْقَاطِهِ فَنُزِّلَ مُطْلَقُ وَقْفِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الْحِفْظَ فَمَنْ يَحْضُرُ الدَّرْسَ وَلَا يَحْفَظُ، وَلَا يُطَالِعُ يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ فَقِيهًا مُنْتَهِيًا فِيهَا أَوْ كَانَ يَتَفَقَّهُ مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الدَّرْسِ لِكَوْنِهِ يَفْهَمهُ وَيَتَعَلَّقُ بِذِهْنِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَا مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ، وَإِنَّمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ فَحَسْب وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَا يَحْضُر الدَّرْسَ، وَإِنَّمَا اشْتِغَالُهُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ مُنْتَهِيًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَفَقَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ.

لَفْظُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ جُعِلَ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَدِ جَمِيعِهِمْ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَالْفُتْيَا الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا قَبْلَ هَذِهِ هِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ هَلْ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فِيهَا وَالْجُلُوسُ فِي مَجَالِسِهَا وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟

فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِس وَيُنَزَّل الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي وَقْفه تَصْرِيحًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعُرْفِ فِي أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَمُطْلَقَاتِ الْأَقْوَالِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ تَنَزُّلُ الْعُرْف فِي تَبْقِيَةِ الثِّمَارِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَة فِيمَا اُسْتُبْقِيَتْ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِنَظِيرِ هَذَا وَنَقَلَ الْفُتْيَا إلَى الْأَحْيَاءِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيمَا إذَا وَقَفَ رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الصُّوفِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ بِرِضَاهُمْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقِفُ إلَّا مُعْتَقِدًا فِيهِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الصُّوفِيَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015