أَحَدًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ السَّائِلِ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا زَكَاةَ فِي رِيعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِك بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ اهـ.

وَبِهَذَا يُعْلَم أَنَّ الْمُوصَى بِهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَة) وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَشَرَط النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِوَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِ الْوَقْفِ وَبِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ، وَشَرَطَ أَنْ يَبْدَأ بِعِمَارَتِهِ مِنْ أُجْرَتِهِ بِنَظَرِ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِ فَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَضَعَ وَلَدُهُ يَدَهُ وَأَجَّرَهُ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِ لِعِمَارَتِهِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِيجَارِ شَافِعِيٌّ فَهَلْ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ لَا تَجُوزَ إجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ؟ (فَأَجَبْتُ) الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُخَالِفًا لِكَلَامِ شَيْخِهِ الْإِمَام الْبُلْقِينِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا، مِثَالُهُ أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ تَدْبِيرٍ فَمِنْ مُوجِبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجِبِ هَذَا الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ وَعَلَى التَّنَزُّل، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْوَقْفَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ بَاطِلَة كَمَا حَرَّرَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: مَا يَفْعَلهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا عِنْد الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يَعْمُرُ بِهِ وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَرْضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِأُجْرَةٍ حَالَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ عِنْد الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

(سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِتُزْرَعَ غَلَّتُهَا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ لِتُصْرَفَ غَلَّةُ كُلِّ سَنَةٍ أَوْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِمَنْ يُهَلَّل لَهُ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا أَوْ لِلْمُعَلِّمِ أَوْ مَنْ يُعَلِّمُ بِبَلَدٍ كَذَا أَوْ أَوْصَى كَذَلِكَ، وَقُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ وَكَانَتْ تَزِيدُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فَهَلَّلَ وَعَلَّمَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ أَوْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ وَلَمْ تُغَلَّ فِي سَنَتِهِ أَوْ لَمْ تَفِ بِالْقَدْرِ فَهَلْ يُعْطَى غَلَّةَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يُكَمَّلُ الْقَدْرُ مِنْهَا؟ أَيْ: مِنْ غَلَّتِهَا أَوْ يُسْتَرَدُّ مِمَّا يُصْرَفُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ فِي مَاضِي الزَّمَانِ حَيْثُ صَرَفْنَا الزَّائِدَ عَلَى الْمُقَدَّرِ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن أَنْ يَقُولَ: وَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ فَلَا يُسْتَرَدُّ حِينَئِذٍ أَوْ يُطْلَقُ فَيُسْتَرَدُّ وَقَدْ يَقُولُ: الْوَاقِفُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِصَرْفٍ مِنْ غَلَّتِهَا أَعْنِي الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ فِي صُورَتِهِ، وَإِنْ أَجْدَبَتْ أَيْ: لَمْ تُغِلَّ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ حَيْثُ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِصُورَةِ شَرْطٍ أَوْ لَا؟ وَلِأَبِي زُرْعَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ كَمَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ سَيِّدِي؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ أَوْصَى بِهَا لِتُصْرَفَ غَلَّتُهَا أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا إلَى مَنْ يَفْعَلُ كَذَا، فَإِنْ جَاءَتْ كُلَّ سَنَةٍ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ فَذَاكَ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ، فَالزِّيَادَة لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا آخَرَ هَذَا إنْ بَاشَرَ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ جَمِيعَ السَّنَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ جَمِيعَ السَّنَةِ كَأَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ السَّنَةِ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ مُغَلِّ تِلْكَ السَّنَةِ قِسْطَ مَا بَاشَرَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُقَدَّرٌ فَإِنْ وَفَّى الْمُغِلُّ بِقَدْرَيْهِمَا فَذَاكَ، فَإِنْ نَقَصَ وُزِّعَ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015