فَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وُجُودِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَقَفْتُ كَذَا عَلَى فُلَانٍ وَيَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الِاشْتِرَاطِ وَالتَّوْصِيَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالشُّرُوطِ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَارِئُونَ عَلَى قَبْرِهِ اسْتَحَقُّوا الْمَوْقُوفَ أَوْ الْمُوصَى بِهِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ عَلَى الْأَوْجَهِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ وَلَا الْوَصِيِّ تَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بِهِ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا قَالَ: مَنْ قَامَ بِوَصِيَّتِي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَيُّ مَنْ قَامَ بِهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ الْمِائَةُ، وَإِنْ قَامَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَانَتْ الْمِائَةُ بَيْنهمْ، وَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ وَكَانَ كَافِيًا مَعَ غَيْرِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَنْ يُشَارِكَهُ اهـ.
وَفِيهِ فَوَائِدُ وَيَأْتِي فِيمَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِيمَنْ يَقْرَأُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَمُرَادُهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا كَامِلَةً إذْ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ قِسْطٌ وَمَا فَوَّتَهُ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلِقَوْلِهِ: هُوَ فِي فَتَاوِيهِ لِمَا سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِ مَيِّتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْقُرْآنِ فَفَاتَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقَضَاهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَلَا يُفِيدُ الْقَضَاءُ وَبَيَّنَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَشْرُوطٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَضَاءُ لَا يُفِيدُ فِيهِ إذْ لَا يَعُودُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ اهـ.
، وَأَمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى الْوَظِيفَةَ فَضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن الْمُدَّةَ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ هِيَ الْقِرَاءَةُ كُلَّ يَوْمٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ الِاسْتِحْقَاقُ وَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى الِاسْتِحْقَاقُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيد قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِع الْأَوَّل وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ كَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةً، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا أَنْ يُوصِي لِشَخْصٍ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِدِينَارِ دُون مَا بَعْدهَا وَهَذِهِ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهَا فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْمُوصَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى بِهِ لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَإِذَا لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَأَنَاطَ الْمُوصِي اسْتِحْقَاقَهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَتَأَمَّلْ بُعْدَ مَا بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَأَنَّهُ لُحِظَ أَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِ مُدَّةِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ كَعَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْمُوصَى بِهِ فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الثُّلُثِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ حَتَّى يُقَابَل أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا قَوْله: وَإِنْ كَانَ وَقْفًا إلَخْ فَفَرْقُهُ بَيْن الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ يَرُدُّهُ تَسْوِيَةُ الْفُقَهَاءِ بَيْنهمَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَمَا فَرَّقُوا بَيْنهمَا إلَّا فِي مَسَائِلَ لَا يَتَأَتَّى نَظِيرُهَا هُنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنهمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَمِنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالتَّعْلِيقَاتِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْف فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ تَعْلِيقه بِشَرْطٍ مَجْهُولِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيل مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْفُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ تَصَارِيفَهُمْ فِي الْبَابَيْنِ وَكَوْنُ الْوَقْفِ أَصْلُهُ الدَّوَامُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَا يَنْفَعْهُ فِي الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّة أَيْضًا قَدْ تَكُونُ لِلدَّوَامِ، فَالدَّوَامُ لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَصْلًا فِيهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَحَيْثُ قِيلَ بِالصِّحَّةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ أَكْثَرَ وَشَرَطَ كَوْنَهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَثَلًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ