الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَزِيدُ لَك إيضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ صُورَتَيْ السُّبْكِيّ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُت وَقَوْلُهُ: فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ جَمِيعُ مَا كَانَ لَهُ لِأَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ يَكُونُ لَهُ فِي حَيَاةِ ذَاكَ فَقَطْ، وَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَهُوَ لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ الْمَفْهُومِ بَلْ بِصَرِيحِ قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَلَمْ يُفَاوِت الْوَاقِفُ فَعَمَلَ بِأَصْلِ التَّسَاوِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي الثَّانِيَةِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى نَسْلِهِ إلَخْ.
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ السُّبْكِيّ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَاتَ الْأَصْلُ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَمْ لَا، وَإِذْ قَدْ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ فُرْقَانه مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَصُورَتنَا مُسَاوِيَةٌ لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَصُورَةُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا مِنْ التَّسَاوِي، وَمَا قَالَاهُ فِي صُورَتهمَا مِنْ عَدَمِهِ وَاتَّضَحَ أَيْضًا مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي الْأُولَى مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا وَمَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَة مُوَافِقٌ لَمَا قَالَاهُ وَبَعْدَ أَنْ تَمَهَّدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ وَلَا نَظَائِرَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَلَفْظُ فَتَاوِيهِ وُقِفَ عَلَى عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَته فَمَاتَتْ فَاطِمَةُ وَلَا نَسْلَ لَهَا وَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي رَجُلٍ مِنْ نَسْلِ عَائِشَةَ هِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَغَالِيَةُ فَمَاتَتْ عَائِشَةُ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا وَخَلَّفَتْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهَا عَنْ بَقِيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوْلَادُ الْبَاقُونَ عَنْ أَوْلَادِهِمْ فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبُ أَبِيهِ أَمْ يُشَارِكُهُمْ وَلَدَا عَائِشَةَ الْمَيِّتَةِ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ الْيَوْمَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ.
وَوَجْهُ عَدَمِ مُخَالَفَته لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ وَلَدَيْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ كُلًّا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُ أَبِيهِ كَامِلًا أَوْ لَا نَعَمْ كَلَامُهُ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ فَإِنَّ صُورَةَ مَسْأَلَته مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ السُّبْكِيّ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَدُونَ صُورَتنَا؛ لِأَنَّ صُورَته هَذِهِ نَصَّ الْوَاقِفُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْبُطُونِ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ يَأْخُذُ حِصَّةَ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَمَنْ فِي دَرَجَته فَإِذَا وُجِدَ الْعَقِب كَانَ النَّصِيبُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ أَيْ: لَا بِقَيْدِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الْآتِي، وَأَمَّا مَسْأَلَتنَا فَالْوَاقِفُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّ ذَلِكَ بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ فَإِنَّهُ وَقَفَ عَلَى بِنْتَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ بِنْتَيْهِ أَيْ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَتْ حِصَّته لِمَنْ فِي دَرَجَته، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمَا يَخُصُّ هَذَا الشَّرْطَ بِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الطَّبَقَات فَإِذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ وَلَدٍ أَخَذَ حِصَّتهَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا مَرَّ فَإِذَا تُوُفِّيَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ بَطَل ذَلِكَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ يَأْخُذُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا نَظِيرَةَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ هَذِهِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَته الْأُولَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَظِيرَتهَا فِي جَوَابِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُضَاةَ تُشَارِكُ أَحْمَدَ إلَخْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَتَيْهِمَا مُتَّحِدَتَانِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ.
وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَفِي أَنَّ قُضَاةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا بَلْ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ وَوَلَدَيْ عَائِشَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُمَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا أَيْضًا فَإِفْتَاءُ الْبَغَوِيِّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ قُضَاةَ إذْ لَا سَبَبَ؛ لِإِفْتَائِهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ أُمَّهُمَا تُوُفِّيَتْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي أُمِّ قُضَاةَ فَلَا تَسْتَحِقُّ لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ أَوْلَى وَعَلَيْهِ فَمَا وَجَّهَ بِهِ السُّبْكِيّ اسْتِحْقَاقِهِمَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِ الْوَاقِفَةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَ قَوْلِهِ: النَّصِيب عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ