أَرْشَدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرْشَدَ هَذَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَشْبَاهِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ تَقَدُّمَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ضِدِّهِ صَارِفَةً عَنْهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ، الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ: الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَهِيَ مَعَ سَبْقِ الذِّهْنِ شَيْئَانِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قِيلَ بِهَذَا التَّوَهُّمِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ أَوْ التَّقْيِيدُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهُ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ انْتَهَى.
الْمَفْهُومُ مِنْهُ فَانْظُرْ قَوْلَهُ: هَذَا السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ وَقَوْلَهُ: فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا وَدَلِيلًا أَيُّ دَلِيلٍ عَلَى رَدِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا خَالَفَ قَاعِدَةَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ رُجُوعِ الْوَصْفِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ لِأَجْلِ مُبَادَرَةٍ خِلَافِهِ إلَى الذِّهْنِ فَحَسْبُ فَكَيْفَ لَا تُجْعَلُ هَذِهِ الْمُبَادَرَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُرَجِّحَةً مَعَ اعْتِضَادِهَا بِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّة وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهَا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرُوهُ كَمَا ظَهَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ بِأَوْضَحِ طَرِيقٍ وَأَتَمِّ تَقْرِيرٍ وَتَحْقِيقٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَغْفُلْ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَلَامه فَإِنَّهُ شَاهِدُ صِدْقٍ وَدَلِيلُ حَقٍّ عَلَى ظُهُورِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَنْقُولِ وَضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ، وَمَنْ تَبِعَهُ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَشَتُّت الْبَالِ وَضَعْفِ الْحَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَالْمُعَوِّلُ عَلَى فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وُجُودِهِ فِي إلْهَامِ الْحَقِّ عِنْدَ تَصَادُمِ الْآرَاءِ وَارْتِبَاكِهَا فِي مَظَانِّ الِارْتِيَابِ أَنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَرْجَى مَأْمُولٍ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى شِقِّ السُّؤَالِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّكُمْ إذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ لَبِنْتهَا فَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْتُ الْبَاقِيَةُ عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ لِلْبِنْتِ نَصِيبُ أُمِّهَا وَلِأَوْلَادِ هَذِهِ الثَّانِيَةِ نَصِيبُ أُمِّهِمْ أَوْ تَشْتَرِكُ الْبِنْتُ وَالْأَوْلَادُ فِي جَمِيعِ الْمُخَلَّفِ عَنْ أُمَّيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ؟ وَبَيَانُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ فِيهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي مَسْأَلَتنَا التَّسَاوِي وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُمْ.
وَمَعْنَى تَلَقِّيهمْ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِجَمِيعِهِمْ بِحَسْبِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْأَحَقِّيَّةُ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ مُسَوِّغِ الْأَخْذِ كَمَا قَالُوا فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْعَصَبَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ بِهِ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ، وَإِذَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ، وَالْوَاقِفُ إنَّمَا شَرَطَ التَّفَاوُتَ فِي مَسْأَلَتنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا فَيَكُونُ مَا عَدَاهَا عَلَى التَّسَاوِي إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعِ كُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ إنَّمَا يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَصْلُهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مَفْهُومٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ وَلَدٍ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ بِتَمَامِهِ مُطْلَقًا، بَلْ مَفْهُومه أَنَّ نَصِيبَهُ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ طَبَقَةِ أَصْلِهِ مَوْجُودًا فَإِذَا مَاتَتْ بِنْتَا الْوَاقِفِ صَارَ كُلٌّ مِنْ فَرْعَيْهِمَا لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ مَفْهُومِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَوْلُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنهمْ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَةً بَعْدَ الْأُولَى حُكْمُهَا فِي التَّفَاوُتِ أَوْ عَدَمِهِ فَأَخَذْنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسَاوِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْته أُمُورٌ: مِنْهَا قَوْلُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ فِي جَوَابِهِمَا السَّابِقِ أَوَّل الْبَابِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ الْعَشَرَةِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ إلَخْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ إلَيْهِمْ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَوْلَادِ عَمْرو وَأَوْلَادِ زَيْدٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ عَقِبه وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْتُ كَافٍ فِي الْجَمِيعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي إلَيْهِمْ إلَى أَوْلَادِ عَمْرو فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ عِبَارَتُهُمَا مُنَافِيَةً لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّسَاوِي فَإِنَّ قَضِيَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِعَمْرٍو