نَأْخُذَ بِالْمَفْهُومِ السَّابِقِ بَيَانُهُ فِيهَا لِاعْتِضَادِهِ بِقَرِينَةٍ بَلْ بِقَرَائِن مَرَّ بَيَانُهَا بِمَا يُعْلَم مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ قَابِلَةً لِلنِّزَاعِ فِيهَا كَهَذِهِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنِ اعْتَرَفَ بِهَا حَتَّى الْمُخَالِف كَمَا بَانَ لَك مِنْ كَلَامه نَفْسِهِ وَكَلَامِ شَيْخنَا الَّذِي قَدَّمْته، وَأَمَّا قَرِينَته هَذِهِ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ لِبُعْدِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّح أَيْضًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْف مُعْتَبَر وَمُرَجِّحٌ مَا ذَكَره السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ مِنْ أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِينَ تَعْمِيمُ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ وَنَحْنُ أَلْغَيْنَاهُ عِنْد انْفِرَاده إذْ لَا نَعْتَبِرُ مَا نَظُنّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إلَّا بِمُسَاعِدَةِ قَرِينَةٍ لَا بِمُجَرَّدِهِ فَلَا نُلْغِيه إذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَمَا هُنَا قَدْ اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ الِاسْتِنَادُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَصَلَحَا بِأَنْ يَنْهَضَ مِنْهُمَا دَلِيلٌ اهـ فَانْظُرْ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ وَقَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إذَا سَاعَدَتْهُ قَرِينَةٌ يَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا مُرَجِّحًا لِذَلِكَ وَمُقْتَضِيًا لِلْعَمَلِ بِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُوَافِقهُ.
قَوْلُهُ: فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ فَرَجَعْنَا إلَى الْمَعْنَى فَرَأَيْنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَإِلَى مَقَاصِدِ أَهْلِ الْعُرْفِ مَا لَمْ يُقْصَدْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ وَهَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ الْأَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ؛ فَلِذَلِكَ تُرَجَّحُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ إلَى الْمُتَوَفَّى اهـ. فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُ هَذِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا مَعَ تَأَمُّلِ كَلَامِهِ فِيهَا؛ تَعَارَضَ فِيهَا التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَفَرَّ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَحَسْبُ. وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَفِيهَا تَرْجِيحَاتٌ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا مَرَّتْ مَبْسُوطَةً فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ فِيهَا بِذَلِكَ وَبَانَ بِكَلَامِهِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ نَظِيرَ مَسْأَلَتنَا مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ إلَخْ. يَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحُ تَقْدِيمِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتنَا عَلَى الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتَةِ مِنْ الْأُخْتِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامه هَذَا وَمِنْ كَلَامه وَكَلَامِ غَيْرِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْفِ مُعْتَبَرٌ وَمُرَجَّحٌ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرِينَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرَائِنُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا سَبَقَ بَسْطُهَا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا بِمَا لَا يَبْقَى مَعَهُ تَوَقُّفٌ فِي أَرْجَحِيَّةِ مَا قُلْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَرْجَحَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ؟ وَمِمَّا يَزِيدهُ وُضُوحًا أَيْضًا قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ شَرْطٍ فِيهِ النَّظَرُ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَنَسْلِهِمْ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَات.
وَإِذَا انْتَهَى النَّظَرُ إلَى أُنْثَى كَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ يَصْلُح لِلتَّقَدُّمَةِ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ فَوُجِدَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَاثٌ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ذَاتُ زَوْجٍ يَصْلُحُ لِمَا ذُكِرَ وَذَكَرٌ أَنْزَلُ مِنْهُنَّ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ وَوُجِدَ أُنْثَى أَعْلَى مِنْ الْجَمِيعِ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَهَا أَنَّهَا مِنْ نَسْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَقْرَبُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَطْفُ الْمُفْرَدَات أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي هَذَا الْوَقْفِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ بِالذُّكُورِ رَشِيدٌ وَأَرْشَدُ لَا يَتَقَدَّمُ الرَّشِيدُ عَلَى الْأَرْشَدِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْشَدَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الْوَهْمُ يَنْدَفِعُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَهُ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفٌ مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمُ عَلَى ضِدِّهِ فَيَتَقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى غَيْرِ الْأَرْشَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ أَمْ مِنْ الْإِنَاثِ وَيُقَدَّمُ الْمُنْتَسِبُ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ