الَّذِي فِيهَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَبِهَذَيْنِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا مَرَّ عَنْ فَتَاوِيهِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ صَاحِبُهُ ابْنُ الْقَمَّاحِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ وَمِمَّا يُضَعِّفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَام غَيْرِ الشَّارِعِ فَلَعَلَّ ذَهَابَهُ إلَى مَا مَرَّ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عِنْده أَوْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَا يُوَافِقُ هَذَا الثَّانِيَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ عِنْد أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِدَلَالَتِهِ فِي كَلَام الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَقْتَضِي الْعَمَلَ بِقَضِيَّتِهَا وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ جَرَى عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَتنَا مَنْ مَرَّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ نَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا ذَلِكَ مَعَ الْمُدْرِكِ الَّذِي قَدَّمْته لِمَا تَبِعَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَجَعَلُوا كَلَامَهُ مُفَرَّعًا عَلَى رَأْيه الضَّعِيف وَقَدْ تَنَبَّهْ لِذَلِكَ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ فَأَشَارَ فِي عِبَارَته السَّابِقَة إلَى أَنَّ السُّبْكِيّ قَائِلٌ بِالضَّعِيفِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ فِي الدَّرَجَةِ دُون الْأَوْلَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِهِ السُّبْكِيّ أَيْ: فَلَا تَغْتَرُّ بِمَا فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ فِيمَا مَرَّ عَنْهَا مُعَاصَرَةً كَمَا مَرَّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَا قُلْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ السُّبْكِيّ نَفْسَهُ احْتَجَّ بِالْمَفْهُومِ الْمُنْضَمِّ إلَى غَيْرِهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَسْفَل فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ يَسْتَقْبِل بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ وَيَشْتَرِك فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُك ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَإِخْوَته مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَتُوُفِّيَ شَخْصٌ عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ وَأَخٍ ثُمَّ الْوَلَدُ عَنْ غَيْرِ أَخٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبه لِعَمِّهِ أَوْ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَصِيبُهُ لِعَمِّهِ دُونَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأُولَى مَا دَامَ هَذَا الْعَمُّ الْأَقْرَبُ مَوْجُودًا لِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ فَاَلَّذِي خَلَّفَ وَلَدَيْنِ اسْتَحَقَّا نَصِيبُهُ وَكِلَاهُمَا يَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا لَوْلَا أَخُوهُ فَحَقُّ اسْتِحْقَاقِهِ كَامِلًا ثَابِتٌ لَهُ، وَإِنَّمَا حَجَبَهُ أَخُوهُ ثُمَّ ابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
فَإِذَا فَقَدَ عَمِلَ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ عَمَله وَأَخَذَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ وَلَا مِنْ جِهَةِ ابْن أَخِيهِ الثَّانِي قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ اقْتَضَى تَقْدِيمَ الْأَخِ عَلَى الْعَمِّ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَقْدِيمَ الْعَمِّ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ أَخَا الْعَمِّ الْمَسْئُولِ عَنْهُ تُوُفِّيَ وَلَا وَلَدَ لَهُ، إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِلْحَالِ بَلْ يُخْبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَمُّ الْمُتَوَفَّى وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةً، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ قَوْلُ الْأَوَّلِ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُوم مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ لَمْ نَجْعَلهُ الْعُمْدَةَ وَاعْتَمَدْنَا عَلَى اللَّفْظِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ.
فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ إلَخْ. فَيُقَالُ عَلَيْهِ: مُسْلَمٌ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ مَسْأَلَته يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَطْفِ بِثُمَّ وَلَمْ يَتَأَيَّد بِمَا غَلَبَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَقَصْدِهِمْ مِنْ صَرْفِ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ لِفُرُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ هَذَا الْمَيِّت لَا فَرْعَ لَهُ فَلَمْ يُعَارِضْ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِانْتِقَالِ إلَى الْعَمِّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَلَا اللَّفْظِيَّةِ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا عَضُد بِهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاقِ كَامِلًا ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِد إلَخْ، وَهَذَا يَقْبَلُ الْمُنَازَعَةَ بِأَنْ يُقَال: لَا نُسَلِّم مَعَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاق ثَبَتَ كَامِلًا لِكُلٍّ وَأَنَّ أَخَاهُ هُوَ الَّذِي حَجَبَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِتَعَدُّدِ الْوَلَدِ أَنَّ حَقَّ الِاسْتِحْقَاقِ مُوَزَّعٌ عَلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ انْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ فَإِذَا فَقَدَ عَمَلُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاق عَمَلَهُ إلَخْ وَلَئِنْ سَلَّمَ مَا ذَكَره فَقَضِيَّةُ الْعَطْف بِثُمَّ الْمَذْكُورَةُ أَقْوَى مِنْ هَذَا التَّعَسُّفِ.
فَإِذَا رَجَّحَ السُّبْكِيّ هَذَا التَّعَسُّفَ وَأَلْغَى بِهِ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قُوَّتِهَا وَتَصْرِيح اللَّفْظِ بِهَا وَعَدَم تَصْرِيحه بَلْ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ التَّعَسُّفِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ نُلْغِي نَحْنُ قَضِيَّتهَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنْ