فِيهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الْبَائِعُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُدَّةً ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِقَالَةِ بِمُقْتَضَى الرَّهْنِ السَّابِقِ فَانْتَزَعَهَا الْمُشْتَرِي وَأَعْطَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لَمْ يُعْطِهَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ انْفَكَّ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِسُؤَالِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ رَهْنِهِ إيَّاهَا وَجَهْلِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ أَوَّلًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَعَمَّرَهَا وَأَدَّى خَرَاجَهَا أَوْ عَبْدًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْخَرَاجِ وَلَا بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْد عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ فَهَذَا رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بِالنَّفَقَةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَكِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لِمُسَاوَاتِهَا لِتِلْكَ حِينَئِذٍ فِي عِلَّتِهَا السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا اهـ.

أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي هُنَا أَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ ظَنَّ عَوْدَهَا لِمِلْكِهِ الْأَصْلِيِّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الظَّنِّ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَآثَرَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا أَنْفَقَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي وَرَّطَهُ فِي ذَلِكَ بِطَلَبِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ فِعْلِهِ لِلرَّهْنِ السَّابِقِ عَلَى الْإِقَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّتِهَا وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنهَا وَبَيْنَ صُورَةِ الْبَغَوِيِّ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى قِنِّهِ ثُمَّ بَانَ مَا يُوجِبُ عِتْقَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهَذِهِ كَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا أَنَّهُ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْمِلْكِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ بَانَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ ذَلِكَ الْمِلْكِ الَّذِي ظَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِهِ كَذَلِكَ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا عَلِمْتُ مِنْ اتِّحَادِهِمَا عِلَّةً وَجَامِعًا.

فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقَ بَيْنهمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ لِأَنَّهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَنْفَقَ عَلَى حُرٍّ فَلَزِمَ الْحُرَّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ لِلنَّفَقَةِ مِنْ السَّيِّدِ مُلْتَزِمٌ لِغُرْمِ بَدَلِهَا لَهُ إذَا بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالسَّيِّدِ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ الْمُنْفِقِ حَتَّى نَقُولَ إنَّهُ بِالْأَخْذِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِغُرْمِ الْبَدَلِ فَافْتَرَقَا قُلْت لَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ بَلْ هُوَ خَيَالٌ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمَا يُبْطِلُهُ حَيْثُ قَالُوا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا لَا سُكْنَاهَا بِنَفْيِ الزَّوْجِ الْحَمْلَ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِرْضَاعِ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذَلِكَ بِظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا فَإِذَا بَانَ خِلَافُهُ رَجَعْت كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا ظَنَّهُ عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَكَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ مُوسِرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ وَلَا يُنَافِي رُجُوعَهَا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ كَوْنُهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي لِتَعَدِّي الْأَبِ هُنَا بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ.

هَذَا تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي تَزْيِيفِ ذَلِكَ الْفَرْقِ لِأَنَّهُمْ هُنَا جَوَّزُوا لَهَا الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ سُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِتَعَدِّي الْأَبِ بِالنَّفْيِ مَعَ عَدَمِ الطَّلَبِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ فَرُجُوعُهَا لِمَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ بِفِعْلِ الْإِقَالَةِ مَعَ سَبْقِ الرَّهْنِ مِنْهُ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِهَا وَالثَّانِي لَا تَعَدِّي مِنْهُ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالُ الْإِنْفَاقِ طُلِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا بَانَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي وَعَدَمُ تَعَدِّي الْبَائِعِ اقْتَضَى ذَلِكَ الرُّجُوعَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إلَى سُقُوطِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِلْمَلْحَظِ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ تَعَدِّي الزَّوْجِ وَعَدَمِ تَعَدِّي الزَّوْجَةِ الْمُنْفِقَةِ كَذَلِكَ لَا يُنْظَرُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِوُجُودِ نَظِيرِ مَلْحَظِهِمْ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي بِفِعْلِهِ الْإِقَالَةَ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الرَّهْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الْإِقَالَةِ وَلِتَوْرِيطِ الْبَائِعِ فِي الْإِنْفَاقِ فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015