أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا إذْ تَكَلَّفَهُ دُونَ بَعْضِ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي مَرَّتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ مَعَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ تَأَسِّيًا بِالتَّاجِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَفْضَلِ الدِّينِ الْخُونَجِيِّ حَدَّ التَّرِكَةِ الْمَشْهُورَ وَبَحَثَ مَعَهُ بِمَا زَيَّفَ بِهِ حَدَّهُ قَالَ وَهَذِهِ صِنَاعَاتٌ جَدَلِيَّةٌ حَمَلَنَا عَلَى ذِكْرِهَا عَلَى الْخُونَجِيِّ حَيْثُ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي الْفِقْهِ صِنَاعَتَهُ الَّتِي هِيَ الْمَنْطِقُ فَأَحْبَبْنَا مُعَارَضَتَهُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ لَا يَخْفَى إنْ جَعَلَ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْهُ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] لِأَنَّهُ إذَا فَرَضَ احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ جَعْلُ الزَّمَانِ جُزْءًا مِنْ الْجِسْمِ لِأَنَّا إذَا اسْتَعْمَلْنَا السَّاعَتَيْنِ مُرَادًا بِهِمَا الْجُزْءُ لِلْقَرَائِنِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا صَارَ مَدْلُولُهُمَا الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ زَمَانٍ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ جِسْمٍ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا التَّمْوِيهَ يَتِمُّ لَهُ.

وَمَا دَرَى أَنَّ الْحُدُودَ إلَى الْآنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحِفْظِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُخْلِ الْأَرْضَ مِنْ أَئِمَّةٍ نُقَّادٍ يُمَيِّزُونَ الزَّيْفَ عَنْ الْجَيِّدِ وَالْخَبِيثَ عَنْ الطَّيِّبِ وَلَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ بَلْ الصَّدِيقُ بَلْ الْوَالِدُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ فَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ وَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَقَوْلُهُ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ بَاطِلٌ صِرَاحٌ وَإِنَّمَا هِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِنَبْتٍ فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهَا لَفْظًا كَانَتْ فَعِيلَةَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَةٍ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا إذْ السَّاقِيَةُ لُغَةً: مَحَلُّ الْمَاءِ الْجَارِي وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى تَفْسِيرِ السَّقِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ نَعَمْ لَهُ حَامِلٌ عَلَيْهِ أَيْ حَامِلٌ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ السَّقِيَّةَ هُنَا إنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيَّ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَحَلِّهِ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ لِلَّفْظِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قَالَ السَّقِيَّةُ عُرْفًا اسْمٌ لِلْمَاءِ قُلْنَا عَادَ النِّزَاعُ السَّابِقُ فِي السَّاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا الْحِيلَةُ فِي شِرَائِهِ فَكَيْفَ يَشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَانْظُرْ أَيُّ التَّنَاقُضَيْنِ تَخْتَارُهُ وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَكَ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ طَرِيقَ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ مَحَلَّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا طَرِيقًا لِبَيْعِ عُيُونِ مَكَّةَ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا هِيَ مَحَطُّ السُّؤَالِ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْبِئْرِ وَأَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ قَعْرِهَا وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ جُدْرَانِهَا بِالْمَاءِ وَبَيْنَ الْمَنْبَعِ وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ الْمَجْرَى بِالْأَرْضِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَالْبِئْرُ يُمْكِنُ غَالِبًا رُؤْيَةُ قَعْرِهَا وَجُدْرَانِهَا بِنَزْحِ مَائِهَا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ اتَّضَحَ بُطْلَانُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ

وَقَوْلُهُ وَلَا مَمْلُوكٍ بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرَ وَضْعِ الْيَدِ وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَتَمُّ مِنْهَا وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَدَّمَ هَذَا الْمُجِيبُ الْحِيلَةَ فِي صِحَّةِ شِرَاءِ الْقَرَارِ وَهَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِمِلْكِهِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمْتَهُ مَنْ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِأَصْلِهِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَهُ وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا كَذِبٌ فَإِنَّ الْجَمَالَ إنَّمَا قَالَ غَالِبًا وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ الْغَالِبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي سَوَّغَ لَك أَوْ لِغَيْرِك أَنْ تَأْخُذَ كَلَامَ سَائِلٍ أَبْرَزَهُ فِي مَقَامِ السُّؤَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015