الْعَادَةِ أَنَّ بَعْضَ عُيُونِ مَكَّةَ الْآنَ خَرَابٌ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ أَجْزَاءً وَأَنَّ صُورَةَ مُشْتَرَاهَا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَانْظُرْ إلَى إيقَاعِهِمْ لَفْظَ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى عَيْنٍ لَا مَاءَ فِيهَا.
وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إلَّا الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِزَمَنٍ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ أَطْلَقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ فَلَا يَتَخَيَّلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَفِقْهٍ نَفْسِيٍّ إلَّا الصِّحَّةَ فِيهِمَا أَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرٌ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُولَى فَكَذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي كَلَامِهِمْ وَسَتُمْلَى عَلَيْكَ تِلْكَ النَّظَائِرُ جَمِيعُهَا فِي نُزْهَةِ الْعُيُونِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَمِنْ نَظَائِرِ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَلْفُوظِ بَطَلَ أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ وَعُلِمَتْ صَحَّ وَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا عَوَّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَلْفُوظَةٍ وَلَا فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.
وَصَحَّحُوا الْعَقْدَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ لِصَرِيحِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُعَوِّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَيُصَحِّحُوا الْعَقْدَ بِذَلِكَ وَإِذَا اتَّضَحَ لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَلِمْتَ خَطَأَ مَنْ تَمَسَّكَ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَا ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَطَّرِدَ عُرْفُهُمَا بِذَلِكَ أَوْ لَا وَلَكِنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْوُقُوفُ مَعَ ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ وَعَدَمُ الْمَلَكَةِ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا الْفَقِيهُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلَاتِ وَتَزْيِيفِ الْهَفَوَاتِ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا أَجْمَعِينَ مِمَّنْ رُزِقَ تِلْكَ الْمَلَكَةَ وَصَحِبَهُ إخْلَاصٌ يَنْجُو بِهِ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ آمِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْتَك لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مَعْلُومَاتِكَ.
فَإِذَا خَلَطْتَ فِيهِ كُنْتَ بِالتَّخْلِيطِ فِي غَيْرِهِ أَحَقَّ وَأَوْلَى وَبَيَانُ التَّخْلِيطِ الْوَاقِعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَيْ مِنْ قَرَارِ كَذَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ أَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ وَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْبَيَانِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا بَعْدَهُ لَزِمَ عَلَيْهِ فَسَادٌ وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ مِنْ، عَيْنُ مَا قَبْلهَا فَيَكُونُ الْمَاءُ عَيْنُ الْقَرَارِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ عَنَى بِهِ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي أَيْ الْمَاءِ الَّذِي فِي قَرَارِ كَذَا قِيلَ لَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّجَوُّزِ وَإِخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ غَرِيبٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ شَذَّ وَنَدَرَ عَلَى مَا زَعَمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ بَانَ فِيمَا مَرَّ بُطْلَانُهُ وَإِذَا بَطَل ذَلِكَ بَطَلَ حَمْلُ مِنْ عَلَى فِي وَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بَقَائِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّبْعِيضُ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّاعَةِ بِمَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ.
وَقَوْلُهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِجَمِيعٍ أَوْ لِلْحِصَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْك عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا أَنْ تُعَبِّرَ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ وَلَا يُقَالُ الْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اعْتِنَاءٌ لَا يَلِيقُ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ فَنِّهِ وَلَيْسَتْ أَلْ فِي الْحِصَّةِ هُنَا لِتُعَيِّنَهَا مِثْلُهَا فِي اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي ذَوْقٍ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَدْرِهَا أَوْ لِسَاعَتَيْنِ نَافَى قَوْلَكَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ قَدَّرْتَهُ مُفْرَدًا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَالِيَّةِ أَوْ جُمْلَةٍ. فَكَذَلِكَ إنْ أَرَدْتَ الْجَرْيَ عَلَى قَوَانِينِ التَّحْقِيقِ ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَا الدَّاعِي إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بِإِخْرَاجِ مِنْ عَنْ ظَاهِرِهَا وَمَوْضُوعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَأْلُوفٍ عِنْدَ مَنْ مَرّ وَبِتَعْلِيقِهَا بِمَحْذُوفٍ مُحْتَمَلٍ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ظَوَاهِرِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ التَّكْلِيفِ لَوْ كَانَتْ عَلَى عِبَارَةِ سِيبَوَيْهِ لَمْ تَسْلَمْ لِمُتَكَلِّفِهَا إلَّا إنْ ضَاقَ عَلَيْهِ النِّطَاقُ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ التَّرَاقِيَ فَقَالَ هَلْ مِنْ رَاقٍ تَاللَّهِ مَا الدَّاعِي لِذَلِكَ إلَّا مَحَبَّةُ حِمَايَةِ حُرْمَةِ هَذَا الصَّدِيقِ وَلَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِهَوَى الْهُوِيِّ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان سَحِيقٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ آمِينَ.
وَقَوْلُهُ ظَرْفًا لَغْوًا كَأَنَّهُ جَاءَ بِهِ لِيُوهِمَ