وُجُوبِهِ لِذَاتِهِ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي جَمِيعَ مَا تَقَرَّرَ عَدَمُ الْإِفْطَارِ بِاقْتِلَاعِ النُّخَامَةِ وَلَوْ مِنْ الصَّدْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاجَةَ لِذَلِكَ عَامَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَغَالِبَةٌ إذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَجِّهَا فِي صَوْمِهِ لِئَلَّا تَضُرَّ بِهِ فَلِذَلِكَ عَفَا عَنْهَا لِعُمُومِ وُقُوعِهَا وَغَلَبَته وَلَمْ يَلْحَق بِهَا مَسْأَلَةُ الذُّبَابَةِ؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ جِدًّا وَغَيْرُ عَامَّةٍ فَأَفْطَرَ إخْرَاجهَا.
عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي النُّخَامَةِ الْفِطْرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْإِفْطَار بِإِخْرَاجِ الذُّبَابَةِ مِنْ الْجَوْفِ، وَإِنْ احْتَاجَ لِذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ بَقَائِهَا ضَرَرًا أَخْرَجَهَا، وَإِنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ كَمَا فِي مَرِيضٍ يَضُرّهُ الصَّوْمُ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِنِّي إفْتَاءٌ بِأَنَّ إخْرَاجَهَا غَيْرُ مُفْطِرٍ وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْته الْآن وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ غُبَارِ السِّرْجِين إذَا دَخَلَ فِي أَنْفِ الصَّائِمِ أَوْ فَمِهِ هَلْ يُفْطِر بِبَلْعِ رِيقِهِ أَوْ بِوُصُولِ الْغُبَارِ مَاءً هَلْ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَتَجِبُ إزَالَتُهُ وَمَا الْحُكْم لَوْ انْتَقَلَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فِي الْفَمِ إلَى يَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ.
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِر بِبَلْعِ رِيقِهِ الْمُخْتَلِطُ بِالْغُبَارِ النَّجِسِ وَأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ الْغُبَارُ الْمَذْكُورُ مَاءً لَمْ يُنَجِّس وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ عُضْوَهُ الْمُبْتَلَّ غُبَارٌ نَجِسٌ لَا يَنْجُسُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُ الْعُضْوِ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ وَالثِّيَابُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُر ذَلِكَ بِحَيْثُ يُجْمَع مِنْهُ فِي دَفَعَاتٍ مَاءٌ نَجِسٌ اهـ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْغُبَارَ لَا يَنْجُس مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الرِّيقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْجُس بِهِ الرِّيقُ فَلَا فِطْرَ بِابْتِلَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ ثُمَّ صَفَّا رِيقَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِر بِابْتِلَاعِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ وَابْتِلَاع الْمُتَنَجِّسِ يُفْطِر، وَإِنْ قِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَإِذَا انْتَقَلَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ بَعْض بَدَنِهِ إلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ نَحْوَ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِ الْمُنْتَقِلِ فَقَطْ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ نَحْوِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ شَامِلٌ لِمَا انْفَصَلَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ أَيْ فَيُعْفَى عَنْ الَّذِي أَصَابَهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ بِانْفِصَالِهِ عَنْ بَدَنِهِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَعَوْدُهُ إلَى الْبَدَنِ لَا يُلْحِقُهُ بِمَا لَمْ يَنْفَصِل عَنْهُ حَتَّى يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ إنْ كَانَ دَمٌ نَحْوُ فَصْدٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ نَحْوُ دُمَّلٍ أَوْ قَيْحِهِ.
وَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى إلَّا عَنْ قَلِيلِهِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْح الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا جَاوَزَ مَحِلَّ نَحْوِ الْفَصْدِ وَهُوَ الْمَنْسُوب إلَيْهِ عَادَةً بِأَنْ يَنْدُرَ عِنْد أَهْلِهَا تَلَوُّثُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِهِ، وَحَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ رَدَدْته ثَمَّ، وَإِنْ كَانَ أَثَرُ اسْتِنْجَاءٍ عُفِيَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَلْقَ رَطْبًا آخَرَ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فَيُعْفَى عَنْهُ لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجَاوِز الصَّفْحَةَ أَوْ الْحَشَفَةَ أَمَّا إذَا جَاوَزَ أَحَدَهُمَا فَلَا يُعْفَى عَنْ الْمُجَاوِزِ لِنُدْرَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَلَوَّثَتْ نَعْلُهُ بِطِينِ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ ثُمَّ عَرَقَتْ وَسَالَ الْعَرَقُ مِنْهَا عُفِيَ عَنْهُ أَيْضًا اهـ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّهُ يَضُرُّ سَيَلَانه بِمَحِلٍّ يَنْدُر السَّيَلَانُ إلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ الْعَفْوِ فِي الدَّمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهُ طِينُ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ الَّذِي بِهِ نَحْوُ دَمٍ فِي مَاءٍ قَلِيل تَنَجَّسَ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ وَالْعَفْو جَارٍ وَلَوْ كَانَ الْبَدَنُ رَطْبًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَافًّا فَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلَوُّثِ بَدَنِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيّ تَفَقُّهًا.
وَمِنْ عِلَّتِهِ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرُّطُوبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ نَحْوِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالْعَرَقِ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِ ابْن الْعِمَادِ يُمْكِنُ تَنْشِيفُ الْبَدَنِ قَبْلَ لُبْسِ الثَّوْبِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْسُرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الْحِكْمَةُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَفِي قِيَامِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي تَحْرِيمِ صَوْمِ أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ.
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ يُكْرَه إفْرَادُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -