أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَيُمْكِنهُ هَذَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تَلْحَقَهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ اهـ. وَبِذَلِكَ أَيْضًا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّمَا تُضْبَطُ الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ بِالْمَحْسُوسِ وَمَنْ تَوَقَّفَ حَصَادُهُ لِزَرْعِهِ وَنَحْوِهِ عَلَى فِطْرِهِ وَلَمْ يَتَيَسَّر لَهُ فِعْلُهُ لَيْلًا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ السَّابِقُ نَقْلُهُ عَنْ الْأَنْوَارِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ لِاسْتِنْقَاذِ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الْفِطْرِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوَقُّفِ هُنَا أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُفْطِر عَجَزَ عَنْ نَحْوِ حَصَادِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط هُنَا خَشْيَةُ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ دَائِمًا لِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِر لِأَمْرِ قَامَ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا فِطْرُهُ لِاسْتِنْقَاذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ لَوْ لَمْ يُفْطِر بِصَوْمِهِ لَا يَلْحَقهُ بِهِ ضَرَرٌ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَضْطَرُّ إلَى الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ صَامَ مَعَهُ حَصَلَ لَهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ انْضِمَامُ الْعَمَلِ إلَى الصَّوْمِ فَجَازَ لَهُ الْفِطْرُ لَا لِخَشْيَةِ الضَّرَرِ فَقَطْ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ وَلَمْ يَعْمَل فَاتَ الْمَالُ، وَإِنْ صَامَ وَعَمِلَ حَصَلَ لَهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ.
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الزَّرْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا أَوْ الْوَلَدِ، وَإِذَا أَفْطَرَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ السَّابِقَةِ وَحَيْثُ أُنِيطَ الْفِطْرُ بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ يَأْتِي فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ عَدْلٍ وَلَوْ عَدْلِ رِوَايَةِ عَارِفٍ بِالطِّبِّ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ عَارِفًا بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِإِخْبَارِ أَحَدٍ، وَمَعْرِفَتُهُ لِخَوْفِ الضَّرَرِ بِهِ بِالتَّجْرِبَةِ كَافِيَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي التَّيَمُّم فَلْتَكْفِ هُنَا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مُسَوِّغَات الْفِطْرِ الَّتِي أَنَاطُوهَا بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ لَا فِي كُلِّ مُسَوِّغٍ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ فِيمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ عَلَى أَنْفِهِ وَهُوَ صَائِمٌ حَتَّى بَلَغَتْ حَدَّ الْبَاطِنِ فَاسْتَنْثَرَهَا عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا حَتَّى خَرَجَتْ فَهَلْ يُفْطِرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّقَيُّؤ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْقَيْءِ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ظَنِّي الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ لَا مِمَّا خَرَجَ أَفْتَوْنَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ آمِينَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِه عَدَمُ الْفِطْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا لَمْ يُفْطِر عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يُفْطِر؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَالثَّانِي يُفْطِر كَالْقَيْءِ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ عَدَمَ الْفِطْرِ. الْأَصَحُّ بِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَبِمُقَابَلَةِ الضَّعِيفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَيْءِ نَجِدُ الذُّبَابَةَ يَجْرِي فِيهَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ بِعِلَّتَيْهِمَا لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ إخْرَاجَهَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إبْقَائِهَا فِي الْبَاطِنِ يُوَرِّثُ ضَرَرًا فِي الْغَالِبِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِفْطَارِ مِنْ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا فِي تَرْكِ الذُّبَابَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ تَعَمُّدَ إخْرَاجِهَا لَا يُفْطِر وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا أَيْ عَلَى الْفِطْرِ بِوُصُولِ عَيْنٍ إلَى الْحَلْقِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ تُؤْكَل عَادَةً بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ اهـ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ لِمَا ذَكَرُوا فِيمَنْ أَصْبَحَ وَقَدْ ابْتَلَعَ طَرْفَ خَيْطٍ لَيْلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةِ الذُّبَاب؟
(فَأَجَابَ) بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ حَيْثُ قَالَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ كَلَامِهِمْ فِي الْقَيْءِ أَنَّهُ يُفْطِر بِتَعَمُّدِ إخْرَاجِهَا بَعْد وُصُولِهَا لِلْجَوْفِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُهُمْ لَوْ أَكَلَ لِغَلَبَةِ الْجُوعِ وَخَشْيَةِ الْهَلَاكِ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَ مُفْطِرًا لِمَرَضٍ لَا يُطِيقُ مَعَهُ الصَّوْمَ لِخَشْيَتِهِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْطَرَ وَقَدْ تَرَدَّدَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا لَوْ تَعَارَضَ وَاجِبَانِ: الْإِمْسَاك وَالْقَيْء فِي حَقِّ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا لَيْلًا وَاَلَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ يَلْزَمهُ رِعَايَةُ وَاجِبِ الْإِمْسَاك فَلَا يَتَقَيَّأُ وَإِلَّا أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْإِمْسَاكِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَاجِبُ التَّقَيُّؤِ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَاعِدَة تَعَارُضِ الْوَاجِبِينَ أَنَّهُ يُقَدَّم أَقْوَاهُمَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ وَاجِبَ الْإِمْسَاكِ هُنَا أَقْوَى فَمِنْ ثَمَّ أَفْطَرَ بِالتَّقَيُّؤِ فَإِذَا أَفْطَرَ بِهِ حِينَئِذٍ مَعَ وُجُوبِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْلَى إخْرَاج الذُّبَابَةِ لِعَدَمِ