اهـ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِطْرُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ اسْتِنْقَاذُ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ إلَّا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ حُصُولُ الِاسْتِنْقَاذ مِنْهُمْ لَوْ أَفْطَرُوا بَلْ عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَقُّقِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ رَأَى حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ لِتَخْلِيصِهِ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالْفِدْيَةُ وَلَوْ رَأَى غَيْرَ الْحَيَوَانِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَيَكْفِي الْقَضَاءُ وَلَا فَدِيَةَ اهـ فَتَعْبِيره بِالرُّؤْيَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حِلِّ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْتِنْقَاذ لَكِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ وَأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالرُّؤْيَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ إذْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِذَلِكَ وَجَبَ الْفِطْرُ أَوْ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ الَّذِي تَلَبَّسُوا بِهِ مَانِعٌ مُحَقَّقٌ مِنْ الْإِفْطَارِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي أَوْ ظُنَّ.

وَقَوْلُهُ وَهَلْ خَوْفُ الْمَشَقَّةِ إلَخْ جَوَابَهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي خَوْفُ الْمَشَقَّةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يُخْشَى مِنْهَا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّوَوِيُّ مَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ فَخَافَ الْهَلَاكَ فَلَهُ الْفِطْرُ وَفِي التَّوَسُّطِ فِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ ثُمَّ شَرْطُ كَوْنِ الْمَرَضِ مُبِيحًا أَنْ يُجْهِدهُ الصَّوْمُ مَعَهُ فَيَلْحَقهُ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْمَضَارِّ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ قَوْلَهُ فَيُلْحِقهُ بِالْفَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَيُلْحِقهُ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ اعْتِبَارَ الْأَمْرَيْنِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ وَالْمَدَار إنَّمَا هُوَ عَلَى الثَّانِي. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا كَلَام الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ لَا يُبِيحُ وَحْدُهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ كَوْنِ الصَّوْمِ يُجْهِدهُ فَلَوْ وُصِفَ لَهُ دَوَاءٌ إنْ لَمْ يُفْطِر بِهِ وَإِلَّا حَصَلَ لَهُ الضَّرَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمُحَرَّرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ هَذَا الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبَةِ الْجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ مُبِيحَ تَيَمُّمٍ قُلْت قَضِيَّته بَلْ صَرِيحُهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ كَعِبَارَاتٍ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ تُوَافِقهُ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ أَيْ بِأَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَهُ أَوْ خَافَ بِسَبَبِهِ نَحْوَ: زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنْ يُجْهِدهُ الصَّوْمُ مَعَهُ وَيَلْحَقهُ أَوْ فَيَلْحَقهُ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِنْ وُجُوهِ الْمَضَارِّ فِي التَّيَمُّمِ.

وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَل قَوْلُهُمْ: الْمُبِيحُ: الضَّرَرُ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ هُوَ مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مَعَ الصَّوْمِ، وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ هُوَ خَوْفُ الزِّيَادَةِ بِالصَّوْمِ أَوْ رَجَاءُ الزَّوَالِ بِفَقْدِهِ، وَقَوْلُ التَّهْذِيبِ هُوَ أَنْ يُجْهِدهُ وَيَلْحَقهُ بِهِ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ رَجَاءَ خِفَّةِ الْمَرَضِ بِالْفِطْرِ أَوْ وُقُوفِهِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ مَتَى صَعُبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِهِ أَوْ نَالَهُ ضَرَرٌ شَدِيدٌ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَكُلُّهَا يَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مُبِيحُ التَّيَمُّمِ اهـ مَا ذَكَرْته فِيهَا وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا مَحِيصَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمَاءِ إذَا اشْتَرَطُوا فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عُدُولٌ إلَى بَدَلٍ فَأَوْلَى أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعُدُولِ عَنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ بَدَلٍ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ بِأَمْرِ جَدِيدٍ عَلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ يُخْشَى مِنْهَا غَالِبًا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ لِأَنَّهُ إذَا عِيلَ مَعَهَا الصَّبْرُ وَلَمْ تُطْفَأْ حَرَارَتُهَا إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ عَنْهَا غَالِبًا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ وَبِمَا قَرَّرْته فِي ضَبْطِ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ انْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمُشْكِلِ ضَبْطُ الْمَشَقَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ كَالْمَرَضِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إنْ ضُبِطَ بِالْمَشَقَّةِ فَالْمَشَقَّةُ نَفْسُهَا غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ، وَإِنْ ضُبِطَ بِمَا يُسَاوِي مَشَقَّةَ الْأَسْفَارِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكَذَلِكَ مَشَقَّةُ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَمَنْ ضَبَطَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَأَهْلِ الظَّاهِرِ خَلَصَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ اهـ.

وَإِذَا انْضَبَطَتْ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ بِمَا قُلْنَاهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي التَّيَمُّمِ بِالْأَوْلَى كَمَا عَلِمْت زَالَ الْإِشْكَالُ وَبِذَلِكَ يَزُولُ أَيْضًا اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ لِلْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي ضَبَطُوا بِهَا جَوَازَ الْفِطْر لِلشَّيْخِ الْهَرِم وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015