أَنْ يَتَوَلَّى وِلَايَةً شَرْطُهَا الْعَدَالَةُ لِأَنَّهُ يُوقِعُ نَفْسَهُ فِي وَرَطَاتِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالْقَضَايَا الْبَاطِلَةِ وَيَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ مِنْ غَوَائِلِ تِلْكَ الْقَبَائِحِ وَمُهْلِكَاتِهَا مَا يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِ مِعْشَارِ عُشْرِهَا وَأَمَّا الشَّهَادَاتُ فَإِنْ عَلِمَ شَيْئًا عِلْمًا يَقِينِيًّا وَلَمْ يَطَّلِعْ أَحَدٌ عَلَى فِسْقِهِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ مُخَالِفٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ حِينَئِذٍ تَخْلِيصُ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ وَبِشَهَادَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلْوَاقِعِ يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ أَصْلًا فَاتَّضَحَ جَوَازُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَمِمَّا يَتَوَلَّى مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْأَوْقَافِ أَمْ لَا فَإِنْ جَازَ فَبِكَمْ يُقَدَّرُ الْمَأْخُوذُ وَهَلْ يُقَيَّدُ جَوَازُ الْأَخْذِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِشَرْطٍ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا جَرَى عَادَةً فِي قُطْرِنَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ وُجُوهُ أَهْلِ وِلَايَةِ قَاضٍ فَقِيرٍ وَيَقُولُونَ كُلُّ مَنْ يَشْتَرِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يَجْلِبَ إلَيْهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يَنْقُلُ مِنْهُ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يُمِرُّ بِهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَغَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَى الْقَاضِي مِقْدَارَ كَذَا مِنْ الْمَتَاعِ مِقْدَارَ كَذَا مِنْ الْمَالِ رِزْقًا لَهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ تَقْدِيرُ رِزْقِ الْقَاضِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ بِتَقْدِيرِهِمْ هَذَا أَخْذُ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الدَّافِعَ لَا يَدْفَعُ لَهُ غَالِبًا إلَّا بِالطَّلَبِ أَوْ الْإِلْحَاحِ مَعَهُ أَوْ خَشْيَةَ مَنْعِ نَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ مَحَلِّ الْوِلَايَةِ أَوْ تَعْطِيلِ الْقَاضِي النَّظَرَ فِي الْقَضَايَا أَوْ تَأْخِيرِهِ الْخُطْبَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ وَرُبَّمَا يَدْفَعُ بَعْدَ الْمَنْعِ أَوْ التَّعْطِيلِ أَوْ التَّأْخِيرِ فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فَمِنْ أَيْنَ يَأْخُذُ رِزْقَهُ وَقَدْ شَغَلَهُ النَّظَرُ فِي الْقَضَايَا عَنْ الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ لَائِقٌ وَلَمْ يَكْفِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَمِمَّا يَتَوَلَّاهُ مِنْ الْأَمْوَالِ إنْ جَازَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ رِزْقًا مِنْ خَالِصِ مَالِ الْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خُصُومَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ فِيهِ رِيبَةً وَمَيْلًا وَفَارَقَ الْمُفْتِيَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْهُ وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَرَّحَ هُنَا بِمَا ذُكِرَ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ بِجَوَازِ الْأَخْذِ قِيلَ وَهُوَ تَنَاقُضٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْجَوَازَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُحْتَاجِ نَعَمْ لِمَنْ لَا رِزْقَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْقَضَاءِ وَكَانَ عَمَلُهُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا إلَّا بِأُجْرَةٍ أَوْ رِزْقٍ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالرُّويَانِيِّ لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ جَزَمَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَتِهِ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ وَجْهًا ضَعِيفًا قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ لِجَوَازِ أَخْذِهِ رِزْقًا مِنْ الْخَصْمَيْنِ عَشَرَةَ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا ثَانِيهَا أَنْ يَقْطَعَهُ النَّظَرُ فِي الْقَضَاءِ عَنْ كَسْبِهِ ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَوْ الْأَكْثَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا تَطَرَّقَتْ إلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ رَابِعُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأَخْذِ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ خَامِسُهَا: أَنْ لَا يُوجَدَ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ وُجِدَ امْتَنَعَ عَلَى هَذَا الْأَخْذُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ سَادِسُهَا أَنْ يَعْجِزَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِيَامِ بِرِزْقِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ

فَمَتَى أَمْكَنَ الْإِمَامَ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ شَيْئًا سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ مَا يَأْخُذُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْخَصْمَيْنِ فَمَتَى أَضَرَّ بِهِمَا الْمَأْخُوذُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا ثَامِنُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ النَّاجِزَةِ حَالَ الْحُكُومَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَالَ غَيْرُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ. اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَقَلَّ وَيَحْتَاجُ لِأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ أَقَلَّ وَأُجْرَتُهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ عَلَى حَاجَتِهِ تَاسِعُهَا أَنْ يَعْلَمَ الْخَصْمَانِ قَبْلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015