الْمَذْهَبِ الَّذِي يُفْتِي بِهِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فَأَخْبَرَ بِهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي شَيْءٍ.
وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ رِوَايَةٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَكَذَا شَأْنُهُ فِي مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ لِاسْتِوَاءِ الْمَذْهَبَيْنِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي أَنَّهُ إنْ عَرَفَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حُكْمًا قَطْعِيًّا جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ الْمَحْضَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا وَلَا عَلِمَ السَّابِقَ لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا فَيَعْمَلُ بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي مُفْتٍ لِمُرِيدِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
أَمَّا مَنْ سَأَلَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ كَذَا لِيَعْرِفَ أَنَّ لَهُ وُجُودًا فَيَعْمَلَ بِهِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْعَمَلَ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَكَذَا الْوَجْهُ الضَّعِيفُ فَلِلْمَسْئُولِ أَنْ يُفْتِيَهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ كَذَا قَوْلًا وَأَنَّ جَمْعًا مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَوَّزُوا الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَإِنْ ثَبَتَ رُجُوعُ قَائِلِهِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ تَحْرِيرِهَا وَبَسْطِهَا وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا إذَا ذَكَرَهُ عَلَى صُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.
أَمَّا مَنْ يُضِيفُهُ لِإِمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا مَنْ عَهِدْنَاهُ مِنْ الْمُفْتِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مُفْتِينَ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدَّوْا عَنْهُمْ عُدُّوا مَعَهُمْ وَسَبِيلُهُمْ أَنْ يَقُولُوا هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا وَنَحْوُ هَذَا وَمَنْ تَرَكَ الْإِضَافَةَ فَقَدْ اكْتَفَى بِالْمَعْلُومِ مِنْ الْحَلَالِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ مَجْدَ الدِّينِ ابْنَ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته مِنْ جَوَازِ الْإِفْتَاءِ بِمَذَاهِبَ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى جِهَةِ الرِّوَايَةِ مَعَ بَيَانِ أَرْبَابِ تِلْكَ الْمَقَالَاتِ حَيْثُ قَالَ.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ تَوَقُّفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ أَوْ اسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهَوِيَتِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَسِّكًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلِّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا. اهـ. وَرَأَيْت الْقَفَّالَ قَالَ بَعْضَ مَا قَدَّمْته وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ مَنْ حَفِظَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَقْوَالَ النَّاسِ بِأَسْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَقِيسَ وَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَفْتَى بِهِ لَا يَجُوزُ وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَحْكِي مَذْهَبَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ لَهُ أَيْ الْمُسْتَفْتِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَقْلِيدَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَ أَحْيَانًا يَقُولُ لَوْ اجْتَهَدْت فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَقُولُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ جَاءَ لِيَعْلَمَ وَيَسْتَفْتِيَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَلَا بُدَّ أَنْ أُعَرِّفَهُ بِأَنِّي أُفْتِي بِغَيْرِهِ.
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ خِلَافَهُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَعَانِيهِ فَيَكُونَ حَاكِيًا مَذْهَبَ الْغَيْرِ وَالْغَيْرُ مَيِّتٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَأَخْبَرَهُ عَنْهُ بِفَتْوَاهُ أَوْ مَذْهَبِهِ فِي زَمَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيَقْبَلَهُ كَمَا أَنَّ اجْتِهَادَ الْمُفْتِي يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ خِلَافُهُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِهِ فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ مَذْهَبِهِ قُلْنَا كَمَا زَعَمْتُمْ لَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمْ يُقَلِّدْهُ إنَّمَا يُقَلِّدُ قَوْلَ هَذَا الرَّجُلِ الْأَمْرُ فِيهِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَا قَالَهُ أَيْ الْقَفَّالُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فَتْوَاهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ لَجَازَ لِلْعَامِّيِّ الَّذِي جَمَعَ فَتَاوَى الْمُفْتِينَ أَنْ يُفْتِيَ وَيَلْزَمَهُ مِثْلُهُ وَلَجَازَ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُقَلِّدٌ صَاحِبَ الْمَقَالَةِ وَلَكِنْ