بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَكُونُ فِي النَّارِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَتَى أَقْدَمَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمٍ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ كَانَ حُكْمًا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَقَاضِيًا بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ فَلَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتَقِدَ أَنَّهُ الْحَقُّ هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ وَكَذَا الْمُقَلِّدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَتْوَى وَالْحُكْمِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعَمَلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ بِالضَّعِيفِ فَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهُ قَوْلَانِ لِإِمَامٍ لَزِمَهُ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَظْهَرَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ أَمَارَتَانِ لِأَنَّهُ حَيْثُ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُ التَّخْيِيرِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمَّا قَوْلَا الْإِمَامِ الْمُتَعَارِضَانِ فَيَمْتَنِعُ أَنَّ كُلًّا مَذْهَبُهُ وَنِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ عَلَى التَّعْيِينِ دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفُ وَلِلْحَاكِمِ الْآهِلِ لِلتَّرْجِيحِ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَإِنْ خَالَفَ أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا اتِّبَاعُ مَا عُرِفَ تَرْجِيحُهُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْآهِلِ لِلتَّرْجِيحِ الْتِزَامٌ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مَذْهَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ السُّلْطَانُ تَوْلِيَتَهُ لِلْقَضَاءِ يَحْكُمُ بِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا أَوْ بِمَا يَرَاهُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنْ وَلَّاهُ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبٍ فَلَهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ مُقَلِّدًا كَانَ أَوْ مُجْتَهِدًا وَلَيْسَ

لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّاذِّ الْبَعِيدِ فِي مَذْهَبِهِ جِدًّا جِدًّا وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ تَحْقِيقٌ وَعَنْ الْغَزَالِيِّ لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْعَامِّيِّ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ الْمُفْتِيَ كَالْحَاكِمِ فِيمَا ذَكَرَ إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي مُفْتٍ مَعْرُوفٍ بِالْإِفْتَاءِ وَعَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ الرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ لَا عَنْ الرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَحْدَهُ.

وَلِهَذَا كَانَ الْقَفَّالُ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ يَقُولُ تَسْأَلُونَنِي عَنْ مَذْهَبِي أَوْ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَتَأَمَّلْ اسْتِفْسَارَهُ الْمُسْتَفْتِيَ تَعْلَمْ أَنَّ الْمَنْعَ الَّذِي حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ ذَكَرْته وَلَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيّ عَنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِيهِ فَقَالَ بَيْعُ النَّحْلِ فِي الْكِوَارَةِ وَخَارِجِهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهِ صَحِيحٌ وَقَبْلَ رُؤْيَتِهِ يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ قَدْ صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَتْبَاعُهُمْ وَمِثْلُ هَذَا لِلْفَقِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَلِأَنَّ لَهُ دَلِيلًا يُعَضِّدُهُ وَلَا يَحْتَاجُ غَالِبُ النَّاسِ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ خَفِيفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأُمُورُ إذَا ضَاقَتْ اتَّسَعَتْ وَلَا يُكَلَّفُ عُمُومُ النَّاسِ بِمَا يُكَلَّفُ بِهِ الْفَقِيهُ الْحَاذِقُ النِّحْرِيرُ. اهـ. قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ.

وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ وَلِيُّ اللَّهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ الْإِبْشِيطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَثِيرًا مَا يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا احْتَاجَ لِتَكْرِيرِ لُبْسِ الْمَخِيطِ بِعَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِدْيَةِ إذَا نَوَى تَكَرُّرَ اللُّبْسِ ابْتِدَاءً تَقْلِيدًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا فِي مَذْهَبِنَا مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْمُقَلِّدِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَالتَّفْرِيعِ مِنْ الْإِفْتَاءِ مَحَلُّهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْقَائِلِ بِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا قَدَّمْته أَنَّ الْمُفْتِيَ حَيْثُ أَضَافَ مَا أَفْتَى بِهِ إلَى إمَامٍ جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاوٍ وَنَاقِلٌ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عُرِفَ بِالْإِفْتَاءِ فِي مَذْهَبٍ وَأَفْتَى بِغَيْرِهِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى أَهْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالْمُسْتَفْتِي وَإِيقَاعِهِ فِيمَا لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُحِطْ بِهِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامِّيِّ إذَا عَرَفَ حُكْمَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ بِالْمَعْرِفَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا حَيْثُ لَا يَشُكُّ أَنَّ هَذَا مِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015