الْبَاطِلِ أُسْوَةٌ ثُمَّ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ تَقْلِيدِ إمَامٍ إلَى تَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْقَضَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يُنْكَرُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ صَوَابٍ إلَى صَوَابٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. اهـ. وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَاشْتَرَطَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ أَنْ يَكُونَ مَا قَلَّدَ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُنْقَضُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ وَأَقَرَّهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا قَدَّمْته أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا لَا يُنْقَضُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا هُوَ فَيَعْتَقِدُ خَطَأَ الْمُخَالِفِ فِيهِ يَقِينًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا زَادَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى شَيْخِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْهُ مُوَافَقَةً لِشَيْخِهِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْحُكْمِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِي عَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِهِ كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ النُّصُوصِ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُسْتَكْرَهًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُ التَّقْلِيدِ حِينَئِذٍ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ عَقِبَ كَلَامِهِ هَذَا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَكْلِيفِ الْعَوَامّ الِاجْتِنَابَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِرُخْصَةِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لَهُمْ وَكَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجِبُ الْبَحْثُ وَالْعَمَلُ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَ الْمُقَلِّدِ وَيَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ وَلَوْ مَفْضُولًا عِنْدَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ بَلْ وَإِنْ تَتَبَّعَهَا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَهُنَا دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا وَكَثِيرًا مَا يُغْفَلُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ وَقُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَاخْتِلَافِهِمْ وَأَنَّ الْأَرْجَحَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ فَحِينَئِذٍ إذَا فُقِدَ الْأَعْلَمُ هَلْ يُقْطَعُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ وَمَذْهَبَ غَيْرِهِ خَطَأٌ أَمْ يُظَنُّ ذَلِكَ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالْأَصَحُّ مِنْهُ هُوَ الثَّانِي كَمَا تَقَرَّرَ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ الْمَنْقُولِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاعْتَمَدُوهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي تَقْلِيدِ أَيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَوْ مَفْضُولًا مَعَ وُجُودِ فَاضِلٍ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْمَجْمُوعِ وَمِمَّا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْقِبْلَةِ وَاخْتِيَارُ الرَّوْضَةِ لِخِلَافِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكُ عِنْدَهُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَلَا يُلْزَمُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ مَفْضُولٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ بَلْ وَلَا يَظُنَّ بِأَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ وَغَيْرَهُ عَلَى الْخَطَإِ وَإِنَّمَا غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ وَهَذَا كَافٍ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِبَارَاتٌ تَقْتَضِيهِ.
وَعِبَارَاتٌ تَمْنَعُهُ وَمِنْ ثَمَّ كَثُرَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِهِ فِي فَهْمِ عِبَارَاتِهِ فِي ذَلِكَ وَغَلَّطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِتَحْرِيرِ ذَلِكَ مَحَلٌّ يَلِيقُ بِهِ غَيْرُ هَذَا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَغَيْرَهُ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَقَصْدِهِ الْحَقَّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَذَلِكَ الْوَاحِدُ مُبْهَمٌ فَيَكْفِي اعْتِقَادُ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ إمَامَهُ صَادَفَ ذَلِكَ الْحَقَّ فَبَانَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ إلَّا أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمَّا ظَنُّهُ لِذَلِكَ أَوْ الْقَطْعُ بِهِ فَلَا وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَامِّيِّ حَقِيقَةُ ظَنِّ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعُ بِهِ وَهِيَ أَعْنِي تِلْكَ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لِلْمُجْتَهِدِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَلِّدِ فَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالظَّنِّ أَوْ الْقَطْعِ فِيمَا مَرَّ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا الصُّورَةَ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهَا لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَقِيقٌ غَامِضٌ ثُمَّ رَأَيْت مُحَقِّقَ الْحَنَفِيَّةِ الْكَمَالَ بْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِي كَلَامِ النَّسَفِيِّ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالَ إنَّ أَخْذَ الْعَامِّيِّ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُ أَوْلَى.
وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَفْتَى مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ مَيْلَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ. اهـ. وَقَدْ تَوَسَّعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ