لَهُ الْأَخْذُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلتُّهْمَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا فَاشْتُرِطَ عِلْمُهُمَا بِهِ قَبْلَ الْمُحَاكَمَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمَا عَلَى وَفْقِ مَا شَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ حَاجَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَقَلُّ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَالْحَالُ أَنَّ حَاجَتَهُ أَقَلُّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ الَّذِي يَأْخُذُهُ قَدْرًا مَعْلُومًا يَتَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُ الْخُصُومِ وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْمَطَالِبِ فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ تَفَاضَلُوا فِي الزَّمَانِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِأَنَّا جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ وَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ

قُلْنَا لَهُ أَوَّلُ مُتَدَاعِيَيْنِ يَأْتِيَانِ إلَيْك أَعْلِمْهُمَا أَنَّ مَا تُرِيدُ أَخْذَهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَيِّنْهُ لَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ كِفَايَتِك وَأُجْرَةِ مِثْلِك فَإِذَا وُجِدَ مِنْك ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ جَازَ لَك الْأَخْذُ هَذَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُك أَنَّ كُلَّ مَنْ جَاءَك بَعْدَ الْأُولَى أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْأُولَى وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِمَا إلَّا إنْ زَادَ زَمَانُ مُخَاصَمَتِهِمَا عَلَى زَمَانِ الْأُولَى فَلَكَ حِينَئِذٍ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ طُولِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الْمُقَابِلَةُ لَهُ أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمُحَكَّمِ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ الْمُتَحَاكِمِينَ إلَيْهِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ دَيْنِ الطِّفْلِ عَلَى الطِّفْلِ يُسْتَوْفَى أَمْ يُوقَفُ لِيَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَأَقَامَ بِمَا ادَّعَاهُ بَيِّنَةً اُنْتُظِرَ بُلُوغُ أَوْ إفَاقَةُ الْمُدَّعَى لَهُ لِتَعَذُّرِ تَحْلِيفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيّ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ لَا يُنْتَظَرُ بُلُوغٌ وَلَا إفَاقَةٌ حَتَّى يَحْلِفَ بَعْدَهُمَا بَلْ يُقْضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا كَمُلَ حَلَفَ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ مَا يَعْتَادُهُ الْقُضَاةُ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَبْلَغِ دَرَاهِمَ لِآخَرَ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِغَرَضِ التَّسْجِيلِ مَعَ خِلَافِ الْقَفَّالِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ لِذَلِكَ حِيلَةً كَأَنْ يَنْذِرَ إنْسَانٌ لِآخَرَ بِكَذَا إنْ ثَبَتَ إقْرَارُ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَدَّعِي الْمَنْذُورُ لَهُ عَلَى النَّاذِرِ بِمُوجِبِ نَذْرِهِ فَيُنْكِرُ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا فَيُثْبِتُ الْقَاضِي إقْرَارَهُ حَتَّى يَثْبُتَ وَيُلْزِمُ النَّاذِرَ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَتِمُّ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَعَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ وَخَالَفَهُ فِيهِ آخَرُونَ فَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النَّذْرِ الْوَاقِعِ فِي الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَزَالِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَائِعَ مُرَوِّجٌ بِذَلِكَ سِلْعَتَهُ فَانْتَفَتْ الْقُرْبَةُ عَنْ نَذْرِهِ فَلَغَا بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الْحِيلَةِ إذْ لَا تَرْوِيجَ فِيهَا فَصَحَّ النَّذْرُ فِيهَا ثُمَّ هَذِهِ الْحِيلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حِيلَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إثْبَاتِ بَرَاءَةِ حَاضِرٍ مِنْ دَيْنِ غَائِبٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ شُرُوطَ الْحَوَالَةِ فَيَدَّعِي الْمَدِينُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الْمُحْتَالِ بِمُقْتَضَى أَنَّ مُحِيلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ وَيُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ الْمُحِيلُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي هُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِ دَائِنِهِ الَّذِي هُوَ الْمُحِيلُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ فَائِدَةٌ.

قَالَ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ صَحِيحٌ فِي دَفْعِ الْمُحْتَالِ أَمَّا إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ ثُمَّ الْمُتَّجِهُ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى تَكْذِيبِ الْمُحِيلِ. اهـ. وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ مَا ذَكَرَهُ فِي حَوَالَةٍ صَحِيحَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْحَوَالَةُ حِيلَةً إلَى سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْحَاضِرِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَيْنِ الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ لِأَنَّ حُجَّتَهُ مِنْ الدَّفْعِ فِي الْبَيِّنَةِ بَاقِيَةٌ لَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ فَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ وَادَّعَى تُذْكَرُ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَيُقَالُ إنْ كَانَ لَك دَافِعٌ فِيهَا فَأَظْهِرْهُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ قَدْ تَمَّ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ الطَّعْنِ فِيهَا مُغْنٍ عَنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015