- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُحَكِّمَةَ لَهُ وَإِنْ بَعُدَ مَكَانُهَا فَوْقَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهَلْ الْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي فِي تَحْرِيمِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ فَلَا بُدَّ فِي الْمُحَكِّمَةِ لَهُ أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي مِنْ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مُرَادُ الْقُضَاةِ بِقَوْلِهِمْ فِي النَّصَبِ وَشَرَطْتُ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ يَشْرِطُ النَّظَرَ لِمُعَيَّنٍ مَا حُكْمُهُ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَنَابَ الْقَاضِي إنْسَانًا فِي وَاقِعَةٍ بِشَرْطِهِ وَشَرَطَ النَّظَرَ عَلَيْهِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ جَازَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتُهُ ذَلِكَ النَّاظِرَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ فُلَانًا عِنْدَ تَصَرُّفِهِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ مُرَاجَعَتُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْوَصِيِّ إذَا جَعَلَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرَهُ أَوْ يَسْمَعُ دَعْوَى.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ: لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْعُبَابِ وَلَوْ لَمْ يُرْزَقْ أَيْ الْقَاضِي مِنْ الْمَصَالِحِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْوُقُوفِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُشْرُ مِثَالٌ وَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ. اهـ. فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا أُجْرَةَ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَمَا الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ الْأَمْرُ بِحِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ لَا تَعَبَ فِيهَا أَوْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَا هُوَ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي كَذَا رِزْقًا وَهُوَ فَقِيرٌ جَازَ وَشَرَطَ لِلْجَوَازِ شُرُوطًا مِنْهَا إذْنُ الْإِمَامِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِذْنُ مِنْهُ لِتَرَفُّعِهِ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَاشْتُهِرَ قَدْرُهُ أَيْ الْجُعْلِ كَيْفَ يَشْتَهِرُ قَدْرُهُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بَيِّنُوا لَنَا جَمِيعَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ وَاضِحَةٍ جَلِيَّةٍ أُثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُرْزَقْ أَيْ الْقَاضِي إلَخْ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْوُقُوفِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ثُمَّ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَمَنْ قَالَ بِهِ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُشْرَ تَمْثِيلًا وَتَقْرِيبًا وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ. اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ضَعِيفَةٌ بِقَوْلِهِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ إنَّهُ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ فِي حَذْفِ النَّوَوِيِّ لَهَا فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ عَلَى فَرْضِ اعْتِمَادِهَا لَا نَظَرَ إلَّا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْعُشْرَ مِثَالٌ وَتَقْرِيبٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَأُنِيطَتْ بِكِفَايَتِهِ إنْ نَقَصَتْ كِفَايَتُهُ عَنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَتِهِ لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكِفَايَتِهِ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَبِعِيَالِهِ اللَّازِمِ لَهُ نَفَقَتُهُمْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ الْمُفْسِدِينَ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَإِعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا وَتَفَقُّدُ أَمْرِهِمْ فِيهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى مَصَارِيفِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَهَا وَقْعٌ كَثِيرٌ فَيُنْظَرُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ كِفَايَتِهِ وَأُجْرَتِهِ وَيُعْطَاهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ وَإِذْنُ الْإِمَامِ شَرْطٌ عَلَى مَقَالَةِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُجَوِّزِ لِلْقَاضِي الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ بِشُرُوطٍ تِسْعَةٍ فَإِنْ فُرِضَ تَعَذُّرُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ
لِأَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطِ إنَّمَا أَبَاحَتْ الْأَخْذَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَمَا مَرَّ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى اغْتِفَارِ إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَرَافَعَ لِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ نَائِبِهِ وَمُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ فَلَا بُدَّ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ لِجَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ مُرَاجَعَةِ أَحَدِهِمَا وَإِذْنِهِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِهَارِ الْقَدْرِ عِلْمُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا يَجُوزُ