بِقَضِيَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَى لِغَيْرِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى يَمِينٍ وَأَلْزَمْنَا الْمُقِرَّ بِالتَّسْلِيمِ لِتَمَامِ الْحُجَّةِ وَهِيَ إقْرَارُهُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى انْضِمَامِ يَمِينٍ إلَيْهِ وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّبِيَّ أَتْلَفَ لَهُ مَا ذَكَرَ فَهُوَ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى أُخْرَى لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى فَوَقَفْنَا الْأَمْرَ فِيهَا إلَى كَمَالِ الصَّبِيِّ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْحُجَّةُ لَمْ تَتِمَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ وَخَشْيَةُ الْفَوَاتِ مُنْتَفِيَةٌ بِمَا ذَكَرْته مِنْ الْكَفِيلِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ.

وَمِمَّنْ اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالسُّبْكِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَقَامَ وَلِيُّ طِفْلٍ بَيِّنَةً عَلَى بَالِغٍ أَوْ وَلِيِّ طِفْلٍ آخَرَ لَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ بَلْ يُقْضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ الْمَالُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَوَجْهُهُ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ الْمَالَ لِلْوَلِيِّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ سُلِّمَ إلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ التَّسْلِيمُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ السَّائِلُ وَإِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ الْمُدَّعَى لَهُ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ السَّابِقِ فَكَذَا وَارِثُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ انْتِظَارُ الْيَمِينِ.

وَإِنْ طَالَ الْجُنُونُ وَأُيِسَ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْدَفِعٌ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ الَّذِي قَدَّمْته وَمَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ وَلِيَّ الْمُدَّعَى لَهُ لَا يُسَلَّمُ الْمَالَ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ إلَّا عَلَى الضَّعِيفِ السَّابِقِ أَنَّهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ ذَاتَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ أَوْ طَرِيقَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ أَحَدَهُمَا هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ بِهِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ أَهْلًا لِلتَّصْحِيحِ أَوَّلًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ فِي مَسْأَلَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ عَدِمَ الْمُفْتِي فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا فَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ لَزِمَهُ التَّوَصُّلُ إلَى سُؤَالِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِشَيْءٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ لَا مُفْتِيَ بِهَا إلَّا إنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ مُرَاجَعَةُ مُفْتٍ بِبَلَدٍ آخَرَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا تَحْرُمُ إقَامَتُهُ الْمَذْكُورَةُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِبَلَدِهِ مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَعُمُّ وُقُوعُهَا أَمَّا بَلَدٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَلْزَمُ الْعَامَّةَ تَعَلُّمُهَا فَحُرْمَةُ إقَامَتِهِ بِهَا وَاضِحَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ حُرْمَةِ الْإِقَامَةِ بِمَحَلٍّ لَا مُفْتِيَ بِهِ وَإِطْلَاقُ عَدَمِ حُرْمَتِهِ وَكِلَا الْعِبَارَتَيْنِ وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْته.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَحِلُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى إيجَابِ النِّكَاحِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَإِذَا لَمْ يَجْرِ شَرْطُهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِهْدَاءِ شَيْءٍ بَعْدَهُ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَاقِدُ قَاضِيًا وَلَيْسَ لَهُ وَظِيفَةٌ وَلَا رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ بِشَرْطٍ أَوْ طَلَبٍ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِقَاضٍ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ تَلْقِينِ إيجَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتْعِبٍ فَلَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الزَّوْجُ تَعْلِيمَ قَبُولِهِ أَوْ إيجَابِهِ وَكَانَ فِي تَعْلِيمِ أَحَدِهِمَا تَعَبٌ يُقَابَلُ عُرْفًا بِأُجْرَةٍ جَازَ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ حِينَئِذٍ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ قَاضِيًا كَانَ الْمُعَلِّمُ أَوْ غَيْرَهُ وَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي نَاحِيَةٍ بِاطِّرَادِ الْهَدِيَّةِ لِلْعَاقِدِ.

جَازَ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ قَاضٍ أَخْذُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُهْدِيَ أَهْدَى إلَيْهِ لَا لِحَيَاءٍ وَلَا لِخَوْفِ مَذَمَّةٍ أَوْ عَارٍ لَوْ تَرَكَ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْهِ اسْتِحْيَاءً أَوْ خَوْفَ مَذَمَّتِهِ أَوْ مَذَمَّةِ غَيْرِهِ أَوْ أَنْ يُعَيِّرَهُ لَوْ لَمْ يُهْدِ حَرُمَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته حُكْمُ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْعَقْدِ وَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى الْحُكْمِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي جُعْلًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا أَوْ أَنْ يَنْقَطِعَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا عَنْ كَسْبِهِ وَأَنْ يَعْلَمَا بِهِ قَبْلَ التَّرَافُعِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَأَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ أَوْ يَعْجِزَ عَنْ رِزْقِهِ أَوْ يُفْقَدَ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْخُصُومِ وَلَا جَاوَزَ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَاشْتُهِرَ قَدْرُهُ وَسَاوَى بَيْنَ الْخُصُومِ فِيهِ إنْ اسْتَوَى وَقْتَ نَظَرِهِ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاوُتُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015