وَوَلِيُّهُ لَا يُمْكِنُ حَلِفُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا يَحْلِفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَمَّا يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ الْوَاجِبَةُ بِالطَّلَبِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حَلِفِ الْمُدَّعِي يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ طَلَبُ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ فَإِذَا طَلَبَهَا تُصُوِّرَ فِيهَا الرَّدُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَوُجُوبُهَا أَصَالَةً فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لَا يَمْنَعُ رَدَّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ وَاجِبَةٌ أَصَالَةً فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ طَلَبُهُ فَعَلَيْهِ هَلْ يُتَصَوَّرُ الرَّدُّ.

قُلْت الْوَجْهُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ وَارْتَضَاهُ بَلْ تَجِبُ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهُمَا نَائِبٌ خَاصٌّ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ هَذَيْنِ آكَدُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ طَلَبٍ فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ تَعْلَمْ بِهِ الْحَقَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ إطْلَاقَ الرَّدِّ وَإِطْلَاقَ عَدَمِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآنَ إلَّا الْوُقُوفُ عَلَى شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ دُونَ فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَالِغُ أَوْ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ الْمَالُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ هَلْ يَحْلِفُ وَارِثُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ أَوْ يُدْفَعُ الْمَالُ لِمَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ أَوَّلًا بَعْدَ حَلِفِهِ كَنُكُولِهِ أَوْ يَكُونُ فِي مُسْتَوْدَعِ الْحُكْمِ وَإِذَا جُنَّ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ وَطَالَ جُنُونُهُ وَأُيِسَ مِنْهُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ مَثَلًا مَا الْحُكْمُ فِيهِ وَهَلْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ لِلصَّبِيِّ بِالْمَصْلَحَةِ إلَى حِينِ بُلُوغِهِ وَحَلِفِهِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ: يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا فَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ فَ لَا يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِوَلِيِّ الْمُدَّعَى لَهُ حَتَّى يَكْمُلَ وَيَحْلِفَ فَهُوَ بَاقٍ بِمِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَلِوَلِيِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يُعَدَّلَا أَوْ شَاهِدًا وَلَمْ يُعَدَّلْ طُولِبَ خَصْمُهُ بِكَفِيلٍ حَتَّى يُعَدَّلَا أَوْ يُعَدَّلَ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ لِلِامْتِنَاعِ لَا لِثُبُوتِ الْحَقِّ بَلْ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَطَلَبَ مِنْهُ كَفِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ وَخِيفَ تَغَيُّبُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَفِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا اعْتَادَهُ الْقُضَاةُ مِنْ إلْزَامِهِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ تَغَيُّبُهُ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بِذَلِكَ.

وَقِيلَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا أَلْزَمَ هُنَاكَ بِالْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ خَشْيَةِ تَغَيُّبِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَأَوْلَى أَنْ يُلْزِمَ الْقَيِّمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَقَبُولِهَا فِيهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ مُتَمِّمُ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَإِنْ قُلْت ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَهُ الْخَصْمُ لِيَجْرَحَ الشُّهُودَ أَوْ لِيُثْبِتَ الْبَرَاءَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِيَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ أَيْ بَعِيدَةِ الْمَسَافَةِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ دَافِعَةٍ لَمْ يُمْهَلْ بَلْ يُؤْمَرْ بِالْوَفَاءِ ثُمَّ إنْ ثَبَتَ خِلَافُهُ اُسْتُرِدَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهَلَّا كَانَتْ مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ قُلْتُ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ وُجُودُ شَرْطِ ثُبُوتِهِ.

وَجَمِيعُ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ فَأُمِرَ بِالْوَفَاءِ ثُمَّ إنْ صَدَقَتْ دَعْوَاهُ اُسْتُرِدَّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا يُوجَدُ جَمِيعُ شُرُوطِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْيَمِينُ وَهِيَ الْآنَ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَمْ يُمْكِنْ الْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ لِاسْتِحَالَتِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَإِنْ قُلْتَ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ بَعِيدَ مَا مَرَّ عَنْهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ انْتِظَارِ الْبُلُوغِ لِتَعَذُّرِ الْحَلِفِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ مَالًا عَلَى آخَرَ فَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَيْنًا بَدَلَهَا مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَقَدَّرَهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْحَقِّ ثُمَّ يَحْلِفُ لَهُ الصَّبِيُّ إذَا كَمُلَ فَلِمَ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ هَذَا مِنْ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا قَرَّرْته أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ.

وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِتِلْكَ ثُمَّ أَجَابُوا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ هُنَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْأُولَى بَلْ بِالدَّعْوَى الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ الدَّعْوَى الْأُولَى فَعَمِلْنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015