تَتَبُّعٌ لِلرُّخَصِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحِلِّ مَانِعًا لِلْفِسْقِ وَكَلَامُهُمْ يَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ إذَا قَضَى لَهُ بِهَا حَنَفِيٌّ وَالشَّهَادَةُ بِهَا وَبِنَحْوِهَا كَالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ عِنْدَهُ وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ جَلَّادًا شَافِعِيًّا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ هَلْ يَحِلُّ امْتِثَالُ أَمْرِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَيَحِلُّ الْأَخْذُ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ حَيْثُ نَقَلَاهُ عَنْ مَيْلِ الْأَئِمَّةِ وَنَقَلَاهُ فِي الدَّعَاوَى عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامِ عَنْ الْجُمْهُورَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ.

وَمَال إلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ كَمَا قِيلَ عَلَى نَظَرٍ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا صَرَّحَا بِهِ فِي مَوَاضِعَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَوْ خَلَّلَ خَمْرًا بِمَا لَا يَطْهُرُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَتْلَفَهَا فَرَفَعَهُ لِحَنَفِيٍّ فَقَضَى عَلَى الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِهَا لَزِمَهُ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَالَبَهُ بَعْدُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَفَرْضُهُ كَوْنُ الْمُدَّعِي حَنَفِيًّا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ كَانَ شَافِعِيًّا كَانَ كَذَلِكَ وَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ بَاطِنًا وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَصَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِيهَا قَبُولَ الشَّهَادَةِ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا جَارُ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْجِوَارِ أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ وَالْأُولَى ظَاهِرَةٌ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا الْأَذْرَعِيُّ وَالثَّالِثَةُ لَا تُقْبَلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْهَرَوِيُّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الشُّفْعَةَ وَبِمَ تُسْتَحَقُّ وَحَكَى فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي جَوَازِ الْأَدَاءِ وَحَكَى بَعْدَهُ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ التَّحَمُّلِ وَحَكَى عَنْ الصَّيْمَرِيِّ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَرْجِيحُ جَوَازِ الْأَدَاءِ بِالْأَوْلَى بَلْ وُجُوبُهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ جَازَ التَّحَمُّلِ وَتَحَمَّلَ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَلِّدَ الشَّاهِدُ الْقَائِلَ بِذَلِكَ أَوْ لَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ أَنْ يَحْضُرَ عَقْدَ حَنَفِيٍّ عَلَى صَغِيرَةٍ لَا أَبَ لَهَا وَلَا جَدَّ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ بِإِذْنِهَا فِي التَّزْوِيجِ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا قَلَّدَ الْحَنَفِيَّ. اهـ.

وَفِي عُمُومِهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَنْ حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَرَيَانِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ قَلَّدَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهِ وَيَتَعَاطَى مَا يُعِينُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ قَلَّدَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّقْلِيدِ الشَّهَادَةُ بِجَرَيَانِهِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُهُ وَطُلِبَ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَا يَمْتَنِعُ وَنَقَلَ الدَّمِيرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِالْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمُوجِبِ التَّعْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّ بِالتَّعْزِيرِ وَيُعَزِّرُ بِمَا يَنْتَهِي إلَى الْقَتْلُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَاقَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَحَيْثُ لَمْ يُقَلِّدْ الْجَلَّادُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرُمَ عَلَيْهِ وَقُتِلَ بِهِ وَضَمِنَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ قَطْعِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الَّذِي يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ هُوَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِثُبُوتِ الْقِصَاصِ دُونَ الْجَلَّادِ فَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَهُ مِمَّا يُخَالِفُ عَقِيدَتَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْأَوْجَهِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ هَلْ تُرَدُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ جِهَتِنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامٍ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَالسَّمْهُودِيِّ أَوْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رَدُّ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ الْوَاجِبَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْخَصْمِ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مُدَّعٍ عَلَى غَائِبٍ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بَيِّنَةً كَامِلَةً أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنْ حَلَفَهَا اسْتَحَقَّ وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ رَدُّهَا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ حَلِفُهُ أَمَّا الْغَائِبُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَوَاضِحٌ وَوَلِيُّهُمَا لَا يُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَنْهُمَا وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَالْفَرْضُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ بَلْ وَارِثُهُ بَيْتُ الْمَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015