مِنْ أَنَّهُ هَمَّ بِالتَّحَرُّمِ فَذَرَقَ عَلَيْهِ طَيْرٌ فَقَالَ أَنَا حَنْبَلِيُّ وَأَحْرَمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَنَّبُ ذَرْقَ الطُّيُورِ لِنَجَاسَتِهِ عِنْدَهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ يُسَنُّ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِإِجْزَائِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُحْتَاطُ بِالنِّيَّةِ فَنِيَّتُهُ حِينَئِذٍ تَقْلِيدٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَمْ لَا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْعَوَامّ لِارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِمَذَاهِبِهِمْ إذْ لَمْ تُدَوَّنْ وَتُحَرَّرْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ.

وَأَلْحَقَ بِالصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يُدَوَّنْ مَذْهَبُهُ وَبِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ قَالَ لِأَنَّ مَذَاهِبَهُمْ انْتَشَرَتْ حَتَّى ظَهَرَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا وَتَخْصِيصُ عَامِّهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَفِيهِ فَتَاوَى مُجَرَّدَةٌ لَعَلَّ لَهَا مُكَمِّلًا أَوْ مُقَيِّدًا لَوْ انْبَسَطَ كَلَامُهُ فِيهَا لَظَهَرَ خِلَافُ مَا يَبْدُو مِنْهُ فَامْتَنَعَ التَّقْلِيدُ إذًا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ مَذَاهِبِهِمْ. اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي جَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ كَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي.

غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ مَذْهَبٌ لَهُمْ جَازَ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى جَوَازِ تَقْلِيدِهِمْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إنْ عُلِمَ دَلِيلُهُ وَصَحَّ طَرِيقُهُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ إذَا صَحَّ عَنْ صَحَابِيٍّ ثُبُوتُ مَذْهَبٍ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا؛ لَا لِكَوْنِهِ لَا يُقَلَّدُ بَلْ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ كُلَّ الثُّبُوتِ. اهـ. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وِفَاقًا يَتَّضِحْ لَك اعْتِمَادُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فَعَلَى هَذَا أَيْ وُجُوبِ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَلْزَمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبٍ إلَى أَنْ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبَسَطَ دَلِيلَهُ وَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقْوَمُ الْمَذَاهِبِ إنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ ابْنِ بُرْهَانٍ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ فَمَنْ مَنَعَهُ مَنَعَ تَقْلِيدَهُمْ لِأَنَّ فَتَاوِيهِمْ لَا يُقْدَرُ عَلَى اسْتِحْضَارِهَا فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ حَتَّى يُمْكِنَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِقَالِ وَمَذَاهِبُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَمَهَّدَتْ فَيَكْفِي الْمَذْهَبُ الْوَاحِدُ الْمُكَافِئُ طُولُ عُمُرِهِ. اهـ. وَهُوَ حُسْنٌ بَالِغٌ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ فِي مَسَائِلَ إذْ لَا يَجِبُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ فِيهَا قَوْلَانِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ فَهَلْ يَأْثَمُ أَوْ لَا لِأَنَّ إضَافَتَهُ لِأَحَدِهِمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ لِلْآخَرِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عِلْمَ الْمُكَلَّفِ بِمَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِشُرْبِ النَّبِيذِ النَّظَرُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَحَلَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ لِيُقْدِمَ أَوْ يَتْرُكَ.

فَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَكَذَا بِالشُّرْبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بَاعَ بَيْعَ النَّجْشِ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ قَدْ عُلِمَ تَحْرِيمُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَإِثْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ إنْ اشْتَهَرَتْ حُرْمَتُهُ فِي الشَّرْعِ أَثِمَ وَإِلَّا فَلَا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَقَلَّدَ الْقَائِلَ بِالْحُرْمَةِ أَمْ لَمْ يُقَلِّدْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَإِلَّا.

فَإِنْ عُذِرَ بِجَهْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ مَا فِي مُقَدِّمَةِ الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَإِنْ رَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْلِمُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ أَثِمَ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ التَّعَلُّمِ اتِّفَاقًا وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الشُّرْبُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَفِي الْحَجْرِ مِنْ الْخَادِمِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ شَافِعِيًّا وَبَلَغَ وَهُوَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ فَسَقَ وَعَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَفْسُقُ ثُمَّ بَحَثَ طَرْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَرَدَّ غَيْرُهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ جَوَازِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا نَوَى تَقْلِيدَ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَفِي هَذِهِ إذَا نَوَى ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ لِأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَالتَّقْلِيدُ فِيهَا لَا يُقَالُ إنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015