ثُمَّ شَرْطُ الِانْتِقَالِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِمَذْهَبٍ فِي وَاقِعَةٍ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ يَرَى فِيهَا خِلَافَ مَا يُرِيدُ الْعَمَلَ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَلْحَقَ بِمَا يُنْقَضُ مَا خَالَفَ ظَاهِرَ النَّصِّ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُسْتَكْرَهًا وَزَادَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا تَجْتَمِعَ صُورَةٌ يَقَعُ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا كَمَا إذَا افْتَصَدَ وَمَسَّ الذَّكَرَ وَصَلَّى. الثَّانِي انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ وَعَدَمُ اعْتِقَادِهِ لِكَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ لِحَدِيثِ: «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك» قَالَ بَلْ أَقُولُ إنَّ هَذَا شَرْطُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَهُوَ أَنْ لَا يُقْدِمَ إنْسَانٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْقَرَافِيُّ وَمَثَّلَهُ بِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِاللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ مَالِكًا فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ الَّتِي مَسَّ فِيهَا وَيَمْسَحُ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ

وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرَّهُ وَذَكَرَ مِنْ فُرُوعِهِ مَا لَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الثَّالِثُ كَاَلَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَنُظِرَ فِيهِمَا بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ وَلَا وُثُوقَ بِمَا فِي ظَنِّهِ وَبِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ وَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَيْهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ نَعَمْ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُؤَيِّدُهُ إيجَابُهُمْ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَمَةً بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَإِنْ قَلَّدَ عَطَاءً وَطَاوُسًا فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا زَادَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَبَعِيدٌ جِدًّا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِلرُّخَصِ لِلْعَوَامِّ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءُوا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مَعَ فِعْلِ مَا خُيِّرَ فِيهِ شَرْعًا وَكَذَا دَعْوَاهُ اعْتِقَاد الْمُخَالِفَةِ إذْ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ وَاعْتَقَدَ أَرْجَحِيَّتَهُ يَرَى جَوَازَ تَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّخْيِيرِ وَعَدَمِ لُزُومِ التَّقْيِيدِ بِالرَّاجِحِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَمَتَى قَلَّدَهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ مَا يَعْتَقِدُ مُوَافَقَتُهُ لَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» فَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَمَعْنَى حَاكَ تَرَدَّدَ حَتَّى حَصَلَ فِي الْقَلْبِ شَكٌّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا أَوْ رَسَخَ فِيهِ وَاسْتَقَرَّ كَوْنُهُ ذَنْبًا أَوْ خَرَجَ جَوَابًا لِفَطِنٍ حَاذِقِ الْفَهْمِ دُونَ ضَعِيفِ الْإِدْرَاكِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَشَرَطَ ابْنُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِقَوْلِ إمَامِهِ فِي وَاقِعَةٍ قَالَا فَمَتَى عَمِلَ بِهِ فِي وَاقِعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ اتِّفَاقًا

كَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ فِي تَمْهِيدِ الْإِسْنَوِيِّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِيمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ دَالٌّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ فِيمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا وَإِثْبَاتُ خِلَافٍ فِي الْمُلْتَزِمِ وَمَا أَبْعَدَهُ إذْ الْعَكْسُ أَوْلَى لِأَنَّ الْتِزَامَهُ مُلْزِمٌ لَهُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنَّ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ مَنَعَ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ السَّابِعَةُ أَنْ يَعْمَلَ بِتَقْلِيدِهِ الْأَوَّلِ كَالْحَنَفِيِّ يَدَّعِي شُفْعَةَ الْجِوَارِ فَيَأْخُذُهَا بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيُرِيدُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَيُمْنَعُ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ إمَّا أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُكَلَّفٌ أَيْ وَالْقَضِيَّةُ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى هَذَا الْحَنَفِيُّ عَقَارًا آخَرَ فَإِنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي امْتِنَاعِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ قَالَ وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ قَبْلَ الْعَمَلِ لَا بَعْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ. دَعْوَى الِاتِّفَاقِ فِيهَا نَظَرٌ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ خِلَافٍ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَلَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ يُكَلَّفُ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ الْغَيْرُ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ أَرَى تَنْزِيلَهُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِمَا اخْتَارَهُ بِمَا فِيهِ طُولٌ وَيَجُوزُ الِانْتِقَالُ مُطْلَقًا أَفْتَى الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ مَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ فِي حُكْمِ الْمَنْقُولِ فَلَا يُعْتَدُّ بِمُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ

وَيُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَا فِي الْخَادِمِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015