أَحَدِهِمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ السَّابِقِ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ السَّابِقَ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ اخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ فَإِنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ التَّخْيِيرُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِتَضَمُّنِ اخْتِيَارِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْ بَعْضِ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُهُ فَهُوَ كَالْوَجْهَيْنِ لِقَائِلَيْنِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْهُ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ قَائِلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَرْجَحِيَّةِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَالرُّجُوعُ لَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ السَّابِقِ كَمَا فِي أَوَائِلِ الْخَادِمِ وَحَكَى الْأُصُولِيُّونَ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ قَوْلَيْنِ فِي ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فَمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ اجْتِمَاعٌ أَوْلَى وَحَاصِلُ مَا مَرَّ الْجَوَازُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إذْ الْقَوْلُ الَّذِي قَلَّدَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ مُوَلَّدَةٍ فَذَلِكَ الْإِمَامُ مَسْبُوقٌ بِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَإِمَّا فِي مُوَلَّدَةٍ فَالرُّجُوعُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَمَا تَقَرَّرَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا مَرَّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْمُفْتِي مَحَلُّهُ فِي الْمُتَعَنِّتِ فَإِنَّهُ

قَالَ: نَعَمْ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبٍ إذَا أَفْتَى يَكُونُ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا عَلَى مَذْهَبِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْضُ تَشَبُّهٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَصْلَحَةً دِينِيَّةً فَنَعُودُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَنَقُولُ بِجَوَازِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ مَا مَرَّ عَنْهَا فِي الْخَادِمِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَتَى رَجَّحَ قَوْلًا مَنْقُولًا بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا شَاذًّا أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَإِلَّا جَازَ إنْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ بِلَفْظٍ كَوَلَّيْتُكَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ أَوْ عُرْفٍ وَأَفْتَى السُّبْكِيّ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَوْلِ بِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالدَّلِيلُ يُعَضِّدُهُ وَلِاحْتِيَاجِ أَكْثَرِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ مَا يُرَادُ شِرَاؤُهُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِوَلِيِّ الْأَيْتَامِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ وَحْدَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِقْلَالُهُ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَاسِمٍ آخَرَ مَعَهُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا فَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ مَنْصُوبِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجِبُ بَعْدَ تَدْوِينِ الْمَذَاهِبِ الْتِزَامُ أَحَدِهَا وَهَلْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَمَّا الْتَزَمَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَلَا بِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ أَبَاهُ بَلْ يَخْتَارُ مَا يَعْتَقِدُهُ أَرْجَحَ أَوْ مُسَاوِيًا إنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ أَقْوَمِ الْمَذَاهِبِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ بَلْ يَسْتَفْتِي مَنْ شَاءَ أَوْ مَنْ اتَّفَقَ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَلَقُّطِ الرُّخَصِ فَلَعَلَّ مَنْ مَنَعَهُ لَمْ يَثِقْ بِعَدَمِ تَلَقُّطِهِ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الِانْتِقَالِ وَإِنْ اعْتَقَدَ الثَّانِي مَرْجُوحًا وَجَوَازُ تَقْلِيدِ إمَامٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَآخَرَ فِي أُخْرَى وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَفْتَى بِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّرَفُ الْبَارِزِيُّ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهِ وَعِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَحِلَ مَذْهَبَ إمَامٍ رَأْسًا إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَوْلَى الْأَئِمَّةِ بِالصَّوَابِ وَيَحْصُلُ لَهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ.

إمَّا بِالتَّسَامُعِ مِنْ الْأَفْوَاهِ أَوْ بِكَوْنِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ تَابِعِينَ لِذَلِكَ الْإِمَامِ فَصَارَ قَوْلُ الْعَامِّيِّ أَنَا شَافِعِيٌّ أَنَا حَنَفِيٌّ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ إمَامًا عَنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ عَدَمِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَفْسُقُ بِالتَّتَبُّعِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ ابْنَ حَزْمٍ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْفِسْقِ مَحْمُولٌ عَلَى مُتَتَبِّعِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَإِلَّا فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِجَوَازِهِ وَقَالَ: إنَّ إنْكَارَهُ جَهْلٌ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالرُّخَصِ هُنَا الْأُمُورُ السَّهْلَةُ أَوْ الَّتِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا ضَابِطُ الرُّخْصَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِالْأَهْوَنِ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015